أفلامٌ هنديَّة

الصفحة الاخيرة 2023/11/21
...

حسن العاني

في خمسينات القرن الماضي والعقد الذي تلاه – وهذان العقدان تحديداً يمثلان بداية تفتحي المبكر على الثقافة ومشاهدة الأفلام وارتياد المسرح – عبّرتِ السينما الهندية عن رومانسيات المراهقة العذرية وأحلامها الناعمة افضل تعبير، مثلما اشبعت حاجة الشباب الى المغامرة والتحدي عبر أساليب المبالغة والخيال المنفلت.
استذكر من تلك المرحلة موقفاً طريفاً، كنتُ يومها في الصف الخامس الثانوي، وقد دأب مدرس اللغة العربيَّة على تحويل درس الإنشاء (التعبير) الى درسٍ شاملٍ لعلوم اللغة العربيَّة، وذلك بأنْ يقف الواحد منَّا أمام زملائه ويقرأ ما كتبه، وبعد الانتهاء نطرح (آراءنا النقديَّة) بينما يتولى المدرس بدوره تصويباً هنا وملاحظة هناك وأين يكمن الجمال في هذا التعبير، وأين يكمنُ الخلل في ذلك التعبير.. الخ، وبذلك يتحول الدرس الى مراجعة للنحو والبلاغة والنقد.. الخ.
كان المدرس معجباً بأحد الطلاب الذي قال عنه، بأنَّه يمتلك قلماً مذهلاً عابقاً بجماليات الوصف والحوار والنثر الفني الذي يقرب من الشعر، وبقدر ما كنا نصفق لزميلنا، بقدر ما كنَّا نحسده حسداً لئيماً في أعماقِنا، غير أنَّ الذي حصل ذات يوم بصورة مفاجئة، أنَّ زميلنا بعد الانتهاء من قراءة تعبيره الذي أذهلنا حقاً بروعته، لم يطلبْ المدرس منا كما جرت العادة أنْ نبدي آراءنا أو ملاحظاتنا، بل توجه إليه مباشرة بالقول [يا فلان... إنشاؤك مثل كل مرة جميل ورومانسي وعذب، ولكنَّه مع الأسف منقولٌ بالنص من الفيلم الهندي الذي يحمل عنوان كذا، الذي تمَّ عرضه قبل أسبوعين في سينما (بغداد) وشاءت المصادفة أنْ أشاهده.. فلماذا تخدعنا، وقبل ذلك تخدع نفسك.. أنا وزملاؤك نسامحك ونطلب منك الاعتماد على نفسك]... وبكى زميلنا.. وأغلب الظن أنَّه لم يعد يشاهد الأفلام الهنديَّة!
على أية حال تغيرت الأحوال في العقود اللاحقة، وقد حاولت الأفلام الهنديَّة اللحاق بتيار السينما العالمي، وخاصة التيار الهوليوودي.. ومع ذلك حافظ عشاق الأفلام الهنديَّة القديمة على عشقهم لتلك الدموع والأغاني الحزينة، وهو ما دفع أحد منتجي الأفلام في الهند قبل زمنٍ ليس بعيداً الى الإعلان عن مسابقة دوليَّة جائزتها مليون دولار لمن يقدم 3 نصوص تتماشى مع الأفلام الهنديَّة القديمة، وقد فاز بالمسابقة كاتبٌ عراقيٌ مغمورٌ عن نصوصه الثلاثة وهي (لصوص يسرقون بيوتهم/ اختفاء ابليس وظهور الشياطين/ ضفدع تبتلع سمكة قرش)، والطريف في الأمر هو تصور المنتج الهندي بأنَّ موضوعات الكاتب العراقي من تجليات خياله الخصب!