محمد غازي الأخرس: الجسم الأعظم من قرائي هم من المهمّشين
حاورته: مروة نور
ولد بين المكاريد ويعد نفسه منهم، يقول: كتبت عنهم، ببساطة لأنني واحد منهم. بالأحرى، أنا كتبت عن نفسي، التي صادف أنها تشبه نفوس عشرات الآلاف من المكاريد والمقموعين.
محمد غازي الأخرس، شاعرٌ وباحث عراقيٌّ ولد في بغداد، حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الفرنسيَّة، وشهادتي البكالوريوس والماجستير في الأدب العربي، نشط في المقالة والنقد منذ منتصف التسعينيات، وألف عدة كتب منها (المكاريد، قصخون الغرام، خريف المثقف العربي، دفاتر خردة فروش، ليلة المعاطف الرئاسيَّة)، وفي الشعر صدر له ديوان {شمعون} بطريقة الاستنساخ عام 1997.
* تقول في نفسك "جهدت للحفر في عقدها العميقة، من أنتَ، من هي نفسك؟ من خلف محمد الأخرس الذي نعرفه؟
- نعم، معرفتي لنفسي وتلمسي لعقدها العميقة هي المشكلة، وهذا متأتٍ من المعرفة، المعرفة أسّ المشكلات، فطالما بقي الإنسان جاهلاً سيبقى في حالة صلحٍ مع نفسه والعالم. وهذا الصلح يزولُ بمجرد توفر المرء على المعرفة، يشرعُ العقلُ في تبين ما عليه العالم والذات من تناقضاتٍ وعلل، وهنا تبدأ الأزمة. أنا كذلك، قراءتي المبكرة لعلم النفس وعلم الاجتماع والرواية والشعر والنقد جعلتني أغرق في تفكيك ذاتي، فعرفت أنني لست سوياً في ما يتعلق بالعُقدِ التي تكوَّنت لديّ. تحدثت عن ذلك في كتابيَّ (المكاريد) و(دفاتر خردة فروش)، وحاولت الغوصَ في دواخلي النفسيَّة، وركزت مثلاً على عقدة الخوف التي شكلت جزءاً كبيراً من شخصيتي، فأنا أخافُ من السلطة بشكلٍ مهولٍ ومرضيّ. لديّ فوبيا من الشرطة والعسكر، وكل سلطة متوارية خلف مظاهر لا تبدو سلطويَّة. إلى اليوم حين أرى سيارة شرطة، يتخطر لي أنَّها قادمة لاعتقالي. قد يعودُ ذلك إلى كوني ابن رجلٍ شيوعي طوردَ وهرب من سلطة البعث، ولن أنسى ما حييت ليلة ١٤ تموز ١٩٧٩ حين داهم عشرة رجال أمنٍ بيتنا ونحن نيامٌ في السطح. كان أبي قد هرب منذ أيامٍ وعلى وشك أنْ يغادرَ العراق. مشاهد تلك الليلة انطبعت في ذاكرتي وأنا بعمر ١٢ عاماً.
بعد خمس سنوات من ذلك، وجدتني في جبهة الحرب، التي يسمونها (مصنع الرجال)، بينما أعتقد أنا أنَّها مصنعُ الخائفين والمعقدين. أجْبِرتُ على ارتداء بدلة الجيش الشعبي الكالحة في ذلك العمر المبكر. تجربة حفرت في نفسي عقداً جديدة، كان فيها إذلالٌ رهيبٌ ورعبٌ لا مثيلَ له. ترجمت هذا الخوف في روايتي (ليلة المعاطف الرئاسيَّة) التي تقوم ثيمتها على محاولة الأنظمة الدكتاتوريَّة إنتاج نوعٍ بشريٍ سوبر لا يخاف، في حين جميع أبطال الرواية كانوا خائفين أو مخيفين.
* اما قتلة أو ضحايا هذه هي الحال في العراق، القاتل يُقتل أما الضحيَّة فتبقى.. أنت ضحيَّة من؟
- أنا ضحيَّة السلطة بكل أنواعها، السلطة السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة، ضحيَّة التهميش وسلب الصوت الحر، وضحيَّة محاولة التدجين التي مارسها الجميع بوعي ومن دون وعي. في ظهيرة يومٍ ما، أنا في عمر ١٣ عاماً، وعلى وقع اندلاع الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة، كنت أجلس قرب جدي، وهناك عددٌ من (الشياب) معه يتجادلون حول الحرب، ومن الأقوى إيران أم العراق. قال أحدهم رأياً فخالفته ورحت أشرح له ما سمعته في أحد البرامج بإذاعة مونت كارلو. لم يرقه رأيي وحاول إسكاتي بتكرار رأيه بضرسٍ قاطع. لم أستسلم وكررت ما قلته، فما كان منه سوى أنْ صرخ بي: انجب ولك… كوم اطلع بره. وعضد جدي الصرخة بصرخة أعلى وأشد إرهاباً. كانت تجربة مريعة في القمع، وهي لا تختلف تماماً عن محاولة السلطة السياسيَّة تكميم الأفواه عبر قوانين المنع، وكبت الحريات. مع هذا، من الصعب أنْ يستسلم الجميع، لهذا ثمة من جيلنا من اختلق له النوافذ من العدم. أنا اتجهت إلى الإذاعة لسماع الرأي الآخر، ولاحقاً للكتب المستنسخة التي نتداولها بسريَّة. كانت خزانتي الشخصيَّة من الكاسيتات تحوي أعمال مظفر النواب الشعريَّة وشيخ إمام ومارسيل خليفة ومحمود درويش، علما أنَّني كنت لا أتجاوز الخامسة عشرة، في بلدٍ يحكمه دكتاتورٌ رهيب، ووسط مجتمعٍ يعيش حرباً طاحنة. لذلك أستطيع القول إنَّني ضحيَّة كل هذا السياق، ضحيَّة أولئك الجلادين الحقيقيين والرمزيين بمن فيهم ذلك الرجل العجوز الذي قمع رأيي وطردني.
* الخوف من الأقدار خوف الآباء المشترك، مما كنت تخاف قبل أنْ تصبحَ والداً؟
- قبل أنْ أصبحَ والداً كنت أخاف على نفسي أولاً وعلى الشبان من أقربائي وجيراني الذين سيقوا إلى جبهات الحرب في الثمانينيات. كان منظر النعوش القادمة من الجبهات معتاداً، وكان يمكن أنْ يحضروا أي شاب، في أيَّة لحظة، ملفوفاً بالعلم. كنت أخاف من سماع أخبار مقتل من أعرف. أول من لوّع قلبي بفقدانه الأبدي هو صديقي وابن عمي علاوي، الذي فقد في معركة الخفاجيَّة. ما زلت أتذكره جيداً، كان يتيماً مسكيناً يعيشُ معنا، وهو من علمني على التدخين قبل أنْ يفقدَ. بعد علاوي، قتل خالي وابن خالي، وتشوه وجه جيراننا، صديق أخي، بانفجارٍ وأصبح ذا وجهٍ مخيف، لم يعد يتحدث معه أحد، أصبح الأولاد في المنطقة يتجنبونه، الوحيد أخي الذي بقي مخلصاً له.
هذه هي الأقدار التي عشنا في خضمها وبالتالي شكلت شخصياتنا المعقدة الخائفة. بعد أنْ صرت أباً، صرت أخاف على أولادي مثل أي أب، وبعد ٢٠٠٣ عادت الكوابيس ذاتها التي عشنا فيها لتطارد أبناءنا الذين وجدوا أنفسهم في مجتمعٍ تطحنه حربٌ أهليَّة وتعيثُ فيه مجاميع مسلحة. هل ننسى أيام المفخخات؟ أم ننسى أيام الموت والاغتيالات؟ ما الذي علينا نسيانه حتى نعود أناساً أسوياء! لا أدري.
* ما الذي عجز جيلك عن إنجازه تتمنى أنْ يحققه هذا الجيل؟
- عجز جيلنا الثقافي عن الاقتراب من المجتمع وانعزل عنه لأسبابٍ يطولُ شرحها، وأتمنى أنْ يتدارك مثقفو الجيل الجديد هذا العجز قبل فوات الأوان.
* هل تعتقد أنَّ مثقف اليوم مجبرٌ على أنْ يكون ازدواجياً كما كان في التسعينيات، في الأصل هل كان مجبراً؟
- كتبتُ عن ذلك أكثر من مرَّة. المثقف يحملُ خصائص الشخصيَّة الاجتماعيَّة ذاتها التي ينتمي لها. هو لا يختلف بأيّ شيء عن غيره من العراقيين من هذه الناحية، لهذا تراه يتحدث بالليبراليَّة مثلاً وبالحداثة في التفكير وحقوق المرأة، لكنَّه يمارس نقيض ما يتحدث عنه في بيته فيمنع ابنته من وضع صورتها في الفيسبوك أو يمنع زوجته من إكمال دراستها العليا، أو حتى يصرُّ على الاقتران بفتاة غير متعلمة. هل هو مجبرٌ على ذلك؟ لا أعتقد ذلك، بدليل أنَّ هناك مثقفين غير مزدوجي التفكير والتصرف، وهؤلاء أقليَّة صغيرة مطرودة من الجميع، وهذا هو سببٌ آخر لاتصاف المثقفين بالازدواج القيمي. لكأنَّهم قرروا مماشاة الجموع كي لا ينبذوا.
* اُتهمت كثيرًا بموضوعة سردياتك التي من أبرزها ما جاء في المثقف وعنه. هل تعتقد أنَّك أخطأت في روايتك؟ أم أنَّها زاويتك الخاصَّة للرؤية، وحقُّ الرد مكفول لكل من له رؤية مختلفة؟
- كتبت عن ذلك في مقدمة (خريف المثقف)، قلت إنها رؤيتي وهي ليست حياديَّة، بل فيها انحياز، لهذا ليس من الضروري أنْ تكونَ موضوعيَّة. كتبي التي فيها جانبٌ أكاديميٌ وتتَّسمُ بالموضوعيَّة قليلة. كتبي الأهم هي التي فيها رؤية فرديَّة خالصة، وفي (خريف المثقف) و(جحيم المثقف)، تتوفر رؤية كهذه، وأنا ما زلت مؤمناً بأغلب تفاصيلها. صحيح أنَّ بعضَ قناعاتي تغيرت خلال السنوات العشر الماضية، لكنَّها لم تتغير لدرجة أنْ أتخلى عن ركائز رؤيتي الأساسيَّة. هل أغضبت هذه الرؤية الآخرين؟ نعم، أغضبت الكثيرين، ومن حقهم تدوين ما ينقضها، لكنْ للأسف للآن لم يحدث ذلك.
* عُرف الشراكوة في بغداد بالفلاحين، المعدان، المخربين.. كيف عرفتهم أنت؟
- أنا لم أعرفهم أو أتعرف عليهم، بل انَّني منهم ووجدت نفسي بينهم منذ أول تفتح لوعيي. إنهم أناسٌ طيبون، مساكين، مغلوبون على أمرهم. كرماء بمشاعرهم ومحبون للآخرين، يرضون من دنياهم بأقل من القليل. قد يكونون بعيدين عن التمدن، لكنَّ ذلك لم يكن ذنبهم بل ذنب الحكومات التي استبعدتهم وهمشتهم واحتقرتهم، وحرضت عليهم وأسهمت، من حيث تعلم أو لا تعلم، في استعداء الشرائح الأخرى ضدهم. لم تحمهم ولم تقم بتوعية الناس بشأنهم، كانت ترى التمييز الاجتماعي ضدهم ولا تبالي، لكأنَّها أقرت ذلك ضمنياً، وبالنتيجة وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فأصبح الشروكي منبوذاً ومحتقراً ومسؤولاً عن كل الشرور في المدينة، وهذا أدى إلى شيوع كراهيَّة متبادلة في المجتمع. تخيل لو أنَّ الحكومات احترمتهم وأخذت بأيديهم ولم تقر الأذى الرمزي واللفظي والثقافي الذي مورس ضدهم. هل كنا لنواجه هذه المشكلة التي نواجهها اليوم؟
* دونت وكتبت عن المهمشين بينما أصحابها لم يكونوا مهتمين، ما أهميَّة ما تكتبه بهذا الشأن؟ هل تعتقذ أنَّك تكتب لتأخذ بثأر المنسيين؟
- كلا، كثيرٌ من المهمشين اهتموا بما كتبت عنهم، بل إنَّ الجسم الأعظم من قرائي هم من هذه الشريحة. المشكلة هنا أنَّ أغلب المهمشين و(المكاريد)، وهذا كان نتيجة تهميشهم، إما أنهم لا يجيدون القراءة أو أنهم لا يقرؤون الكتب والصحافة، وهذا شيءٌ طبيعيٌّ في بلدٍ كالعراق. لماذا كتبت عنهم؟ ببساطة لأنني واحدٌ منهم. بالأحرى، أنا كتبتُ عن نفسي، التي صادف أنَّها تشبه نفوس عشرات الآلاف من المكاريد والمقموعين، فإنْ حدث وراقهم هذا، فلأنَّني محظوظ. مع هذا، فكرة الثأر من النسيان والتناسي واردة بقوة كدوافع خفيَّة للكتابة عنهم.
* يقول ماريو بارغاس "الكتابة نشاطٌ وحداني، حميمي، وما من جائزة يمكن أنْ تغير ذلك" حصلت سابقًا على جائزة الإبداع العراقي، ماذا يعني لك الفوز بجائزة؟
- هو يعني الكثير طبعاً. بغض النظر عن وحدانيَّة الكتابة، أي جائزة تمنح إنما هي لفتة تقدير واعتراف بالتميز لمن تمنح له، بشرط أنْ تكون الجهة التي تمنحها جهة محترمة وليس لديها أجندة ما. رغم هذا، لم أضع شخصياً جائزة ما نصب عيني.
* فدعة هذه المرأة الجنوبيَّة، أراها قريبة من محمد، ما السر؟ ما الذي يجعل محمد يتتبع أثر امرأة كفدعة؟ ذكرت سابقاً أنَّك بصدد تأليف كتاب مراثي النساء متمثلاً بفدعة؟
- لا أعرف، لكنْ أعتقد أنَّ الأمر له علاقة بعشقٍ قديمٍ للشعر وميلٍ سايكولوجي للأحزان، أنا ولدت وعشت طفولتي في بيتٍ يجاور مقبرة الشيخ عمر، كنّا نلهو في المقبرة ولطالما أثارتني أجواؤها واستوقفني شواهد القبور. هذا عندما كنت في الخامسة من العمر صعوداً الى العاشرة، كنت أقضي العطل في بيت جدي هناك بعد انتقالنا لجميلة ولعلَّ هذا ترك فيَّ ميلاً لتلك الأجواء، فدعة هي خنساء الحديثة وشعرها شعر موت وأنا حتى اليوم أميل لهذا النوع من الشعر. أما الكتاب فما زلت أعمل به، وسوف ينُجز قريباً.
* عذابٌ قابعٌ في ذاكرة محمد أكثر من كونه صوتاً عذباً، هل ستقول له يوماً بيني وبينك خصام؟
- مثلما أنا اسمي ذلك العجوز الفقير "صاحب زوجتي"، هي تسمي داخل "صاحبك"، هو صاحبي منذ أنْ سمعته وتعلقت به. لا أدري إنْ كان عذاباً أم رحمة، هو عذابٌ لأنَّه يحزنني لكنه رحمة أيضاً؛ لأنَّه يغسل روحي كلما سمعته. لن أقول له بيني وبينك خصام، بل ربما أقول له ـ تعال نصالح عذابك ورحمتك.
* القتلى مثيرون للخيال، مع الموتى يخف الخيال، باختصار... كيف يتخيل محمد الموتى؟
-أتخيلهم كما تخيلهم العقل العراقي القديم، في العالم السفلي يئنون من العذاب، يأكلون التراب وينوحون شوقاً للحياة. في روايتي "ليلة المعاطف الرئاسيَّة" يقوم البطل برحلة سريعة لعالم الموتى ولكن الذين أعدمهم النظام السابق بتهمة التخاذل، في الرحلة استعدت هذه الصور التي امتلأت بها المخيلة اعتماداً على رواسب قديمة بعضها أسطوري والآخر خرافي وديني. لطالما حلمت بعالم الموتى وهذا راجعٌ لشدة هواجسي حوله.
* ثمة ما تحت الأثواب لا علمَ لنا به مطلقاً، أشك أنَّ ما تحت الثياب بقي تحت الثياب هل قمت بتعرية جسد الواقع والكثيرون فعلوا! هل حقاً لا تزال هناك أشياءٌ تحت الأثواب لا نعلمها؟
- أشياءٌ كثيرة وكثيرة جداً، الجسد خزانة أسرار لا يعلمها سوى صاحب الجسد، الإنسان كائنٌ لا نعلم منه سوى جزءٍ بسيطٍ هُو يظهره بإرادته وهناك جزءٌ أعظم مخبوء.
* لو وضعتك في سرداب ولك حريَّة اختيار النور في آخر النفق، الى أين تود أنْ يأخذك؟
- أتمنى أنْ يقودني إلى تلك الغرفة الصغيرة المقفلة التي رأيتها في حلمٍ عجيبٍ بعد وفاة أمي؛ كانت أمي تجلسُ في بيتٍ صغيرٍ وحيدة وتبدو سعيدة جداً، جلست قربها وتطلعت خلفها فإذا بغرفة مغلقة الباب، رفَّ قلبي لتلك الغرفة ووددت حقاً لو كان لي حريَّة الاستراحة فيها. سألتها عنها فقالت إنَّها غرفتك، سعدت وزاد فضولي لرؤيتها وهممت أنْ أنهضَ لأدخل إليها فقالت لي: لا يمه بعد وكت، هي مالتك بس مو هسه. لو كان هنالك نورٌ في آخر النفق الذي عشت فيه لتمنيت أنْ يقودني إلى تلك الغرفة في بيت أمي.
* ماذا لو انتزعت ذاكرة محمد، بديهيًا لا تسقط الذاكرة مرة واحدة، أي الأشياء تتمنى أنْ تسقط أولًا وأيها تعشعش حتى النهاية؟
- كتبت ذلك في مقالة ذات يوم، لو تسنى لي محو مشاهد وأحداث لمحوت الصفعة التي طبعتها كفّ أستاد سليمان على خدي في أول حصة دخلت فيها، صفعني لأنني لم أقم حين صاح المراقب: قيام، ولمحوت أيضاً جميع المشاهد التي كنت جزءاً منها في معركة هور الحويزة عام ١٩٨٥، لكنت محوت مشهد وضع تابوت أخي على سيارة الكراون، وشده بالحبال. لكنت محوت أيضاً مشهد وفاة أمي بين يدي، للآن يتردد صدى أنتها الأخيرة قبل أنْ ينطفئ ضوء عينيها. كثيرة هي الذكريات التي أتمنى أنْ أنساها، وبالمقابل كثيرة هي المشاهد التي أتمنى أنْ تبقى معي ومنها مشهد رؤية عائلتي من بعيد في كراج بعمان حين التحقت بي.
* وأخيراً الحب ثلاثة (العقل- القلب- الروح) أين موقع حب العراق فيك؟
- حب العراق مرضٌ أعانيه بشدة وهو يسكن روحي وقلبي وأعتقد أنه شكّل عقلي في جزءٍ منه بطريقة ما، فحين تحب شيئاً بطريقة مرضيَّة تبدأ، بشكلٍ لا واعٍ، في ترتيب عقلك ومتبنياتك وآرائك انطلاقاً من هذا الأساس. هل هو شيء صحيح؟ لا أدري، فالوجدان هنا هو الحاكم وليس العقل وكل ما يتحكم به الوجدان يحتمل الكثير من النقاش.