أحمد عبد الحسين
مهما استغرقت النظريات السياسية في شرح العلاقة بين السلطة والمواطن، فإنها لا تخرج عن المعادلة التالية: العلاقة بينهما علاقة تخويف!
يصبح الإنسان مواطناً لأنه يخاف من القانون وأدواته ومن الإقصاء والنبذ اللذين باستطاعة السلطة أن تمارسهما ضدّه. لكنّ السلطة هي الأخرى تخاف، ويجب عليها أن تخاف من المواطن إذا غضب وعبّر عن غضبه احتجاجاً ورفضاً قد يصل إلى حد الانقلاب، أو عدم منح صوته لها انتخابياً في البلدان الديموقراطية.
الخوف يحكم هذه العلاقة أبداً مهما كان شكل النظام. غير أنّ العلامات المخيفة في جسد الدولة يجب أن تكون واضحة مشخصة. ففي البلدان العظمى كما في البلدان الصغرى هناك أدوات شرعية للإخافة كالجيش والشرطة وسائر صنوف المؤسسات التي تقع على كاهلها مهمة التخويف باسم القانون الذي هو جوهر السلطة وعمادها. في بعض الدول المضطربة يكون خوف المواطن من قوى مجهولة المعالم وغير واضحة، وهنا يخسر الطرفان: تخسر السلطة قدرتها على ضبط مشاعر الجمهور، بينما يخسر المواطن أمنه.
منذ 2003 أصبح المواطن العراقيّ خائفاً من أشياء مجهولة، خوفه من السيارات المظللة التي بلا أرقام أكثر من خوفه من الزيّ العسكري الرسميّ، فهو لا يعرف هوية ولا شرعية مَنْ يقبع وراء هذا التظليل. وقد شهدنا مراراً أناساً يتجاوزون على الشرطة باليد واللسان، لكنهم يهابون ويبتعدون ما أمكنهم عن أية سيارة لا أرقام فيها ومحميّة بتظليل يُراد منه أن يخيف الناس لكنْ ليس باسم القانون ولا باسم السلطة.
أمس ألقتْ القوات الأمنية القبض على رجل كان في سيارة مظللة بلا أرقام وقد دهس شرطيّ مرور "والشرطيّ هنا هو الرجل الذي يفترض به أن يخيف باسم الدولة". وليست هذه الحادثة الأولى، من يعرف الشارع العراقيّ يعرف أن حوادث كهذه تكررتْ مراراً، لكنّ الأمر الحسن أنّ المظلل ألقي القبض عليه فعرفنا هويته. وكلما عرفنا مزيداً من هويات المظللين قويت الآصرة بين المواطن والدولة، وكلما قلّ عدد السيارات التي بلا أرقام صارت هناك هيبة لسيارات الدولة التي يجب أن تحتكر الإخافة لوحدها، وكلما ظهر المزيد من المظللين مكبّلي الأيادي في التلفزيون قلّ يأس الناس وارتفع أملهم في وجود دولة لا تسمح لمجهول بإخافة معلوم.
التحية لوزارة الداخلية التي كشفتْ لنا أمس عن هوية واحد من جحافل المجهولين المظللين الذين يخيفوننا بلا أرقام!