الموسيقى في الشارع البغدادي

ثقافة 2023/11/22
...

سامر المشعل 



طرقت أسماعنا موسيقى لعزف كمان، وكنا نسير أنا وصديقي في الشارع الرئيس لمنطقة الكرادة، وعندما اقتربنا من عازف الكمان، الذي تتحرك أنامله باحتراف على أوتار آلته، وجدناه شابا يرتدي ملابس أنيقة، ويعزف على الرصيف المقابل لأحد المطاعم، سارعنا أنا وصديقي في وضع نقود قليلة في قلب حقيبة الكمان التي فتحها للسابلة.

وجدت في عيني صديقي الرضا والبهجة، وهو ينقده بورقة الألف دينار، ثم علّق "يستحق هذا الشاب أن نعطيه المساعدة ازاء ما يقدمه لنا من عزف جميل، تشيع البهجة في نفوس الناس، بدل أولئك الذين يستجدون بثياب رثة، ويلصقون بك بإذلال بعيدا عن الذوق". 

ظاهرة عزف الموسيقى في شوارع بغداد، أخذت تتسع بالآونة الاخيرة بهدف الاستجداء أو بمناسبة افتتاح محل جديد أو الترويج لبضاعة معينة.. وأخذت تزحف للأسواق الشعبية، وهذا ما شاهدناه، في أسواق باب المعظم قبل أيام، حيث طلب أحد باعة الخضار من صديقه، الذي يدرس في معهد الفنون الجميلة، أن يقدم وصلة موسيقية قرب بسطيته، فأخرج الشاب آلة الكمان وراح يعزف للمتبضعين، وكانت تجربة ممتعة إشاعة السعادة في نفوس المارة ومنحتهم طاقة ايجابية، اذ نشرت الابتسامة في وجوه الناس، الذين وقفوا قليلا يراقبون حركات يد العازف، ووقع موسيقاه في نفوسهم ومن ثمة يمضون في تسوقهم.

هذه الظاهرة بدأت من شارع المتنبي، من خلال تجمع عدد من هواة الموسيقى، يقدمون عزفهم من دون حرج، كون مرتادي شارع المتنبي من المثقفين، الذين يقدرون مواهبهم الموسيقية، ثم أخذت تتأسس بعض الروابط والتجمعات الفنية في القشلة، يقدمون فيها الأغاني التراثية، ويستعرضون إمكانياتهم بالعزف والغناء، ونجد بين هذه التجمعات من يستجدي بالعزف وتقديم الأغاني، خصوصا عندما فتح شارع المتنبي أذرعه، لاستقبال الأسر في الليل.. ثم أخذت هذه الظاهرة تتسلل إلى شوارع بغداد 

الأخرى. وكانت حفلات الموسيقى والاغاني بالسابق مقتصرة على المطاعم الفارهة والأندية الاجتماعية في العاصمة بغداد وكذلك في إقليم كردستان، لغرض جلب الزبائن، كي تتسع متعتهم مع الموسيقى والغناء وهم يتناولون وجبة العشاء. في إحدى المرات قدمت الفرقة السيمفونية العراقية إحدى حفلاتها على حدائق نادي الصيد، وبشكل مباشر امام الجمهور، وكانت من التجارب الناجحة. تحدثت بعد انتهاء الحفل مع المايسترو علي خصاف عن فكرة تقديم السيمفونية لعامة الناس في الحدائق والساحات العامة، فأبدى خصاف حماسة كبيرة لهذه الفكرة، وألّا تقتصر الموسيقى على النخبة المثقفة وتعزف داخل الصالات والمسارح الفارهة، لما للموسيقى من تأثير كبير في تهذيب نفوس سلوك المجتمع وإشاعة جو من الامان والاطمئنان في الشارع العراقي، وبالتالي 

تسهم في رفع الذائقة العامة ونشر المحبة والسلام والمتعة لكل شرائح المجتمع.