كبارٌ أسهموا في تغيير المسار

ثقافة 2023/11/22
...

 أ. د. قاسم حسين صالح


يعدّ العراق من أول البلدان التي عرفت الموسيقى، بل إن التاريخ يحدّثنا بأن الغناء في العراق كان أحد أعمدة الحضارة العراقية القديمة، وأن الحضارة السومرية كانت إحدى علامات توضح حبّ العراقيين للموسيقى، بل هناك ما يشير إلى أن أول نص غنائي وأول آلة موسيقية.. تم ابتكارها في مدينة أور قبل ما يزيد على اربعة آلاف سنة قبل التاريخ.. ما يعني أن العراق هو أول من اشاع الثقافة الغنائية وأول من انفرد بمزج حالتين سيكولوجيتين متضادتين في الغناء.. التنفيس عن الحزن والوجع، والانتشاء بالفرح والطرب المصحوب بالرقص على صوت الطبلة 

العراقية.

ويؤكد المؤرخون أن الموسيقى في سومر هي أولى ركائز الموسيقى العالمية. وهنالك شهادات من كبار بتفرد الأغنية العراقية، يتصدرهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي وصف الغناء العراقي بالمدرسة التي تحلّق خارج السرب وقوله:(كل الغناء العربي يدور في فلك المدرسة المصرية، إلا الغناء العراقي فهو مدرسة بحد ذاته).


البداية.. كانت بثلاثة 

 يعود تاريخ شيوع الأغنية العراقية جماهيريا للعام 1936 يوم أعلن في الأول من تموز عن تأسيس ثاني محطة إذاعية عربية بعد إذاعة القاهرة باسم اذاعة بغداد. وكان ثلاثة غنوا فيها هم حضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم.


حضيري ابو عزيز (1909 -  1973)

اسمه الكامل: حضيري حسن بن رهيف العبودي، من قبيلة العبودة بمدينة الشطرة. اشتغل في بداية حياته خياطا، ثم انتقل إلى بغداد ليدخل الأذاعة العام 1937  ويحيى فيها حفلات غنائية.

كان له اسلوب مميز في الغناء الريفي، وكان يكتب نصوصا شعبية ويلحنها بنفسه لنفسه. وكان هو الأشهر في أربعينيات وخمسينات القرن الماضي عراقيا وعربيا ايضا باحيائه حفلات في بلدان الوطن العربي.. ولا تزال بعض أغانيه محبوبة لدى العراقيين، تتصدرها أغنيته (عمي يبياع الورد)، رغم مرور اكثر من سبعين سنة عليها. 


داخل حسن (1909 -  1985)

اسمه الكامل: داخل حسن علي الغزي، ولد في قرية تابعة لقضاء الشطرة. امتاز صوته بحنجرة قوية ونفس طويل، وامتلاكه بحّة، ميزته عن جميع أقرانه من مطربي الريف، واشتهر  بأنه اتخذ من المسبحة جزءا من الآلات الموسيقية التي ترافقه.

عمل في بداية شبابه شرطيا، وتقدم للعمل في اذاعة بغداد العام 1936 كمطرب للغناء الريفي.

ومن طريف ما يذكر عنه أن أم كلثوم استمعت لصوته أثناء تسجيله لإحدى الأسطوانات في حلب،  فأعجبت به، ودعته إلى القاهرة ليغني هناك، فأعتذر لها قائلا: (يا ست الله ايخليج آنه أبغداد كوة امدرج لهجتي انوب  تريديني اغني بالقاهرة..اشلون ادبرها وياهم)..فضحكت ام كلثوم وقدمت له هدية كانت قطعة من الملابس لزوجته، بينما قدم لها شالا ظلت محتفظة به إلى أن توفيت.

 ورغم مرور اكثر من سبعين سنة، فإن عددا من اغانيه لا تزال محبوبة عند العراقيين، مثل "اهنا يمن جنه وجنت، يا ماخذين الولف، وآنه غريب بها البلد،

 بحضيري ابو عزيز وداخل حسن، يكون الغناء الريفي العراقي الجنوبي الأكثر شهرة في زمانهما قد حدث له تغيير في مساره.