بغداد: كاظم لازم
تصوير: نهاد العزاوي
ضيّفت دائرة الفنون الموسيقية يوم الخميس الماضي، على قاعة الشهيد عثمان العبيدي الملحن المغترب مفيد الناصح في جلسة موسيقيَّة قدمتها الإعلامية بشرى سميسم، واصفة المحتفى به، وكأنه خلق ليغوص في أعماق البحار، لا يخاف من أعاصيرها الهادرة، ولا أمواجها العاتية، ولا وحشتها الكثيفة.
لكن بحاره ومحيطاته تختلف، فمرة هو يبحر في نغم النهاوند، ومرة في الكرد، ومرة في الصبا ومرة في البيَّات ومرة اخرى في ماء حقيقي، ليكتشف لنا سمكا نادرا أو يسجل ظاهرة غريبة، لكن البحر الأعذب، الذي غرف منه مفيد الناصح، وأغرقنا معه لعقود طويلة هو اغنية "بحر عينك"، التي صارت علامة فارقة في تاريخه.
المحتفى به قدم شكره وتقديره إلى الجهات المعنية التي اتاحت له فرصة الجلوس أمام عشّاق الأغنية العراقية، ومحبي الفنان، بعد غربة دامت لأكثر من أربعين عاما، ليستذكر ابرز محطات نجاحاته وحكاياته، التي تكاد لا تخلو من الصعوبات والمتعة والإصرار في أن يوجد لون خاص لكل فنان عمل معه، وإبراز كلمات الشاعر حتى تكون للأغنية اعمدة قائلا:" هاجسي منذ البداية أن اكون ملحنا، وداومت بهذا العمل، حتى سبعينيات القرن الماضي حين التقيت الفنان فواد سالم، وسألني عن اغنية "اسوار الذهب"؟ أجاب تلك الأغنية اعدها سالم حسين إلى ناظم الغزالي بهذا الكلام لا أقلل من شان فؤاد، انما حاولت أن أرشده للبحث عن أسلوبٍ متفردٍ، فكانت أغنية "شوك الغريب" من كلمات محمد حسين العبودي أول عمل مع الفنان فواد سالم، وبعدها أغنية "شنهو السبب ناسيني" للشاعر نفسه.
مفيد الناصح غنى من ألحانه الفنان والمطرب السعودي محمد الزهراني والمطرب السوري عبد الوهاب الفراتي، كذلك غنى له فاضل عواد أغنيته الشهيرة "الويل ويلي مكحلة" "ويلجمالك سومري"، علمًا هذه الأغنية فازت بالميدالية الذهبية الأولى في مهرجان دمشق للأغنية العربية العام 1977.
واشار الناصح إلى أنه تلقى الفوز بهذه الجائزة، وهو خارج العراق، وهذا ما جعل الفنان لم يشعر بالحماس، كونه ابتعد عن محبيه وأصدقائه، لكن واصل انجازاته ولم ينقطع.
من جانبه ، بين المايسترو علاء مجيد أن الدائرة دأبت على استضافة الرموز الفنية، التي لها بصمة كبيرة في تاريخ الاغنية العراقية، فنادرًا ما نجد صفة ترتبط بشخص ما، كموسيقي أن يكون صاحب الإبداع ملحنًا للكلمة ومؤلفًا للموسيقى في آن واحد، وهو مبدع هنا وهناك، فضلا عن إبداعه في مجال آخر، إذ أكمل دراسته في كلية العلوم قسم الأحياء البحرية بالبصرة، وعمل كمساعد باحث علمي، فالبحار والمحيطات والأسماك ولّدت لدى الناصح أنغامًا وموسيقى هادئة وعذبة، جعلت كلَّ من يستمع إليها يبحر في الرومانسية والهدوء، ليتخلص من ضغوطاته وارهاصات التي تكاد تحجم العقل وتعذب النفس.
أستمع الناصح إلى بعض الأصوات الشبابيَّة أدت الأغاني، الذي عمل على تلحينها سابقا، مستغربا من الحملات، التي من شأنها تبيّن أن العراق بلد يتعرض للخراب والدمار، فهو يرى عكس ذلك، هناك من يحاول أن ينهض بفنونه ويستخرج جمالها.