في زمن «اللايك والشير».. ماذا تبقى من النقد الأدبي؟

ثقافة 2023/11/23
...

 بغداد: نوارة محمد

   يرى مثقفون أن منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر صنعت حالات إبداعية مزيفة في المشهد الثقافي ويعتقدون أننا مع فعل التطبيل الخادع أصبحنا في مواجهة مع هؤلاء الفاتحين ممن تطفلوا على الأدب الذين صادفوه في (فيسبوك) وأغلبهم عرفوا بكثرة عدد الاعجابات والمشاركات  التي لا قيمة إبداعية لها والتي أدت بدورها إلى اختلاف معايير النقد الحقيقي.
يقول الناقد والصحفي زيد الحلي لـ”الصباح” إن “هذه المنصات التي تُتيح وتبيح التفاعل والتواصل بسرعة البرق في العالم صنعت النقُاد الفيسبوكيين وأدت إلى تغير الانماط الابداعية في السنوات الاخيرة بوجود موجة جديدة من التطورات التي شهدها عالم الاتصالات مما أدى إلى اتساع نطاق استخدام الانترنت في عملية الاتصال الاجتماعي، الأمر الذي أتاح فرصة لهواة النقد وهواة الكتابة إلى تجذير اسمائهم في الذاكرة الجمعية للمجتمع، منطلقين من قاعدة تقول إن تكرار الاسماء يولد الشهرة ، مهما كان نوع هذه الشهرة”.
وبدون استئذان استطاع هذا الفضاء أن يخلق مجتمعا فيسبوكيا بعد أن كان المبدعون في المجالات الثقافية يبحثون عن نافذة للنشر في الصحف والمجلات والمؤسسات الثقافية الرصينة، إذ يعود الحلي مضيفاً: كان المبدعون في المجالات الثقافيّة في سالف الزمان، يبحثون عن نافذة للنشر في الصحف والمجلات والدوريات الرصينة ويسعون إلى تقديم غير المألوف لتأكيد الذات والتفرد، بينما نجد الآن بعض الطارئين على عالم الحرف يكتبون ما يعني لهم في النقد والشعر والرواية دون اية دراية او معرفة ثقافية ، وقد انعكست هذه الحالة السلبية على الواقع الثقافي الرصين برمته.  ويتابع: أقولها وبملء فمي إن سطح الحياة الثقافية في العراق حالياً مستو.. ليس  فيه مثابة نستدل بها عن تميّز في حومة كتابات التواصل الاجتماعي، إلا في حالات نادرة ،لا بل نادرة جدا، حتى أصبح استحالة لمسها او الانتباه إليها، وسط هذا الكمّ الهائل مما يكتب ومعظم ما نقرأ : في الشعر، الرواية، الفنون، النقد مجرد ترديد  لقراءات، أو اقتباسات، وفي أحسن الأحوال طروحات لا تستقيم مع كلمة الإبداع.”
ويؤكد الحلي: في هذه الحالة المؤلمة، نلمس، شيوع ظاهرة انتشار (الناقد المُجامل) فعقب كل اصدار مهلهل، نقرأ نقدا “تعضيديا” في الفيسبوك ، أو الصحف التي تصدر في المناسبات، يعلن “فلان” ترحيبه بالكاتبة او الكاتب (الجهبذ) ويشيد بالنص البائس، وحين تتفحص اسم كاتب النقد  “الفيسبوكي”، تجده من (طشّار) الكتبة، وأنه دخل النقد من خانة المجاملة، بحثا عن شهرة أو خوفا أو استرضاء للكاتب فلان أو الشاعرة فلانة.. ولأن عربات المجاملة، سريعة الوصول، تجد أن هذا الكاتب والناقد، أصبحا سيد شاشات الفضائيات، وتتوالى تنظيراتهم في كينونة الرواية، والأبعاد البصريّة للوحة، وسياقات الأخراج المسرحي، ومغزى الرواية في الشعر الحديث، باختصار شديد، نحن نعيش في غابة ليس فيها ما يفرح.
في هذا التسابق يجد آخرون أنّ التكنولوجيا سلاحٌ ذو حدين، وهي على عكس ما شاع في الأيام الأخيرة (طاولة لطرح النتاج الثقافي) بغض النظر عن جودتهُ، بل  كشفت المُدعي وأظهرت لنا عقم تفكيره.
 في هذا السياق يقول الناقد والكاتب الدكتور علي المرهج: من الصعب القول إن التكنولوجيا أتاحت فرصة للمغمورين، إن لم يكن لديهم ما يقدمونه معرفيًا وثقافيًا. لا بل على العكس لقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي المدعي، وأظهرت لنا عقم تفكيره. ويتابع: في الوقت نفسه تساعد وسائل التواصل هذه من لم تتح له فرصة لتقديم  نتاجه الثقافي والمعرفي، لذا فإن هذه الوسائل سلاح ذو حدين مثلما ممكن أن يكون لصالحك قد يكون ضدك وهي أيضا أتاحت فرصة نشر هذا الكم الكتابي الهائل الذي لم تتسع له الصفحات الثفافيّة في الصحف والمجلات الورقية، لأن وجود صفحة واحدة في جريدة لا يمكن أن يجمع كل النتاج الأدبي والثقافي.
ويضيف: قد يكون زمن (اللايك) فيه شيء من اللامبالاة في التعامل مع النتاج الفكري والنقدي، وهو لا يعبر عن تأكيد القراءة المتمعنة للنص النقدي لأنها إشارة للمجاملة والتواصل ليس إلا، ولكن في المقابل هناك إمكانية للمثقف والناقد من تحصيل فائدة التعريف بمنتجه والتواصل مع مثقفين ونقاد وكتاب من شتى أرجاء المعمورة.
وينوه: شخصيًا خدمتني وسائل التواصل والمواقع الثقافية في نشر مقالات وبحوث قدمتني للقارئ والمختص العربي وغيره بما هو نافع في التواصل المعرفي وبناء علاقات ثقافية ومشاركات في أوساط ومنصات لها حضورها الفاعل في الفكر والواقع الحقيقي والافتراضي.ويشير إلى ضرورة إلا ننسى أهمية هذه الوسائل والمواقع في تجاوز جائحة “فيروس كورونا” بما سعد كثير من المثقفين على تجاوز أزمتها.
لكن هذه الكثرة الفيضانية التي يواجهها صنف الأدب الساذج غير الخاضع للمعيار النقدي عمل كُتابها على استهداف الواقع الممزوج بالخيال والتي تخلو اشتراطات العمل الفخم، وهذا واحد من أسباب كُثر جعلت صناع أدب ما بعد الالفية أشبه بالتقليعة السمجة لكل من يستطيع الكتابة ومن لا يستطيعها أيضا، على حد وصف الكاتب والروائي شوقي كريم حسن الذي يؤكد: المعرفية المطلقة التي ظهرت بسرعة البرق تمكنت بشكل يسير وخال من العقد الاستحواذ على كل منافذ الحياة وعلى أعلى المستويات ومنها الأدب والفن الذي خضع لميزتين أساسيتين عجلة النشر والتعريف وضعف المحتوى الفني والمعرفي العام وهذا أمر في غاية الاهمية والخطورة أضعف التلقي ومعه عجز النقد عن متابعة الثمين والمهم ليسقط بين براثن الاستسهال والتبعية الموجهة الأمر ليس في العراق بل في عموم البلدان العربية، اختفت المعايير الجمالية وظهرت معايير المحسوبيات والمنسوبيات مع مدفوعات مالية متفق عليها وسائل الاتصال أعلنت ميلاد مانسميه النقد المدفوع الثمن والموجه عرضيا وأنه يقوم بمهمة  التعريف العام المتداول عالميا.بدوره يشير الروائي علي بدر إلى النشاط الكتابي والنتاج الفكري الذي يبتعد عن الموهبة. ويقول: أدت تلك النظرة التي تعد المنصات الإلكترونية وعدد (اللايكات) معيارا للنجاح إلى تردي المشهد الثقافي في العراق، ليست التكنولوجيا وحدها فحسب، بل غياب المؤسسات الثقافية الفاعلة، وغياب الخطط المركزية والعمل المنظم، بالإضافة إلى غياب الوكالات الأدبيّة التي ترعى الكتاب وتروج لنشاطهم، والأندية التي تطور فاعلية الكتاب وتمكينهم من الحصول على موارد جيدة لإدامة عملهم الكتابي أسبابُ أسهمت في تردي المشهد
الثقافي الجاد.