العدوان والديمقراطية الرثَّة

قضايا عربية ودولية 2023/11/26
...

علي حسن الفواز



قد يبدو أن حديث "الديمقراطية" الدولية أضحى مثاراً للجدل، والاختلاف، وربما السخرية، لأنه سيكون حديثاً مفتوحاً على التناقضات في النظر إلى هذه الديمقراطية، فبقدر ما يحمله مفهومها - التجريدي- من قيم إنسانية وأخلاقية، فإنها في  الأجراء تحتاج إلى واقعية في السياسة الراشدة، والقبول بالتنوع السياسي والمكوناتي والقومي داخل البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية، وبما يجعل التعاطي مع الديمقراطية قريناً بالتعاطي مع وقائع وإجراءات تؤكد للعالم أهمية الممارسة الديمقراطية وإدارتها والقبول بنتائجها، وهذا ما دعا الكثيرون إلى ربط دراسة الخطاب الديمقراطي باحترام المؤسسات الديمقراطية، وصولاً إلى تقدير النماذج الديمقراطية في العالم، بوصفها مظاهر سياسة "إدارة العالم"، واحترام حقوق الإنسان والقبول بمبادئ العدالة الاجتماعية، وتحكيم القانون ومرجعياته في معالجة الحروب والصراعات والأزمات التي تحدث هنا أوهناك.

ما جرى في العدوان على غزة، أو ربما في أماكن أخرى أعطى انطباعاً سلبياً وسيئاً عن الأنموذج الذي يتم تسويقه عن الممارسة الديمقراطية للولايات المتحدة، ولعدد من الدول الغرب، إذ عبّر هذا الأنموذج عن  سلوك عنصري، وعن فاعلية تدعم المحتل في عدوانه دون النظر المتوازن والعقلاني لطبيعة الاحتلال والعدوان، فهل كانت الديمقراطية في أنموذجها الأميركي تختلف عن ديمقراطيات العالم؟ وهل أن مفاهيمها ومقولاتها تصلح للممارسة في أوروبا وليس في الشرق الذي يُنظر إليه بوصفه مجالاً للاستبداد، وأن كائنات هذا الشرق لا يشبهون كائنات الغرب الذين تحقّ لهم الديمقراطية، ولا يحق لغيرهم الاستفادة من معطياتها الحقوقية والقيمية وفهم معادلتها الخاصة بالعدالة والفضيلة والمساواة في الحقوق.

الديمقراطية الرثَّة قد تصلح عنواناً لوصف ما يجري، فهي تقوم على تكريسات للفصل العنصري، ومغالبة القوي على الضعيف، والنظر إلى الآخر بوصفها مختلفاً، وأن استخدام العنف والإكراه في التعاطي مع حقوقه الإنسانية يُعد "جائزاً" لفرض التطبيق الغربي أميركي للممارسة الديمقراطية، والذي يعني في حسابه عدّ "كيان الاحتلال الصهيوني" جزءاً من الديمقراطية الغربية، ومن سياقها المفهومي المتعالي للحداثة والحضارة، وهو ما يجعل حمايتها والدفاع عنها مسؤولية أميركية خالصة، مقابل ذلك يكون النظر إلى الفلسطينيين وربما "العرب عموماً" بوصفهم شعوباً غير ديمقراطية، وأن ماجرى في السابع من اكتوبر، يعدّ عنفاً ضد الديمقراطية وتجاوزاً على النظرية الأميركية للحداثة، ولكل ما يتعلّق بها من تداعيات، وبما يجعل العدوان الصهيوني على غزة ممارسة دفاعية، وينبغي عدم إيقاف إطلاق نار حقيقي، والاكتفاء بـ"هدنات إنسانية" لاسترداد المحتجزين من "الصهاينة" بقطع النظر عن عدد الشهداء الذين ارتقوا جرّاء هذا العدوان، ومنع ايّ إجراء دولي لتوصيف هذا العدوان بأنه جريمة حرب وتعريض مركتبها إلى المحاكم المختصة.