أحمد عبد الحسين
هويّة كلّ شيء تابعة لهويّة القائمين عليه. وما من نصّ، حتى المقدّس، إلا وهو يجري مجرى مَنْ يتسلط عليه فهماً وشرحاً وتطبيقاً. وكم كانت عميقة وصادقة مقولة الإمام عليّ "عليه السلام" لأصحابه: لا تحاججوهم بالقرآن، فإنه حمال ذو وجوه" وقوله: "وإنما هو خطّ مسطور بين الدفتين ينطق عنه الرجال" .
هذا ما جعل الشرائع كلّها، الدينية والوضعية معاً، شرائع ذكوريّة، لأنّ القائمين على تفسيرها وتأويلها وشرحها والنطق باسمها ذكورٌ، وحتى الشرائع غير المكتوبة التي هي الأعراف، سواء أكانت أعرافاً قبلية عشائرية أم أعرافاً متمدنة متحضرة، هي أعراف الرجال التي لم تدخل فيها النساء إلا بوصفهنّ "ودائع" و"حرمات" تحت حماية الرجال الأخيار.
أمس كان اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة. وأقرأ في تقارير لوزارة الداخلية صدرت مطلع هذه السنة، أنّ 90 حالة عنف ضدّ النساء تُسجّل يومياً في بلدنا، وهي أرقام مخيفة، ويغدو الأمر مرعباً إذا عرفنا ندرة النساء اللواتي يمتلكن الجرأة لتسجيل شكوى ضدّ أزواجهنّ أو آبائهنّ أو إخوانهنّ. لأن العرف هنا، كالعادة، لا يجري في صالح المرأة، فمن غير المقبول عُرفاً أنْ يظهر للمرأة صوتٌ حتى لو كان صوت استغاثة.
هذه الأرقام، على فداحتها، هي جزء يسير مما يحصل من عنف ضد النساء في العراق. ولذا فالأمر خطير.
اللافتُ أنّ التقارير التي تصدّتْ للظاهرة القبيحة هذه، اكتفتْ بإيراد إحصائيات ونِسَبٍ وجداول تبين نوع التعنيف وجغرافيته وأعمار المعنّفات، من دون أن تقرأ فيها حلولاً من شأنها القضاء على "أو على الأقل الحدّ من" هذا الظلم الذكوريّ الذي اعتدنا عليه وبتنا نتقبله كأرقام، مجرد أرقام.
هناك مشروع قانون "مناهضة العنف الأسريّ" مقدّم من قبل الحكومة إلى مجلس النواب منذ 2020 ولم يشرّع حتى الآن، بسبب انقسامات حادة حول بعض فقراته بين الكتل السياسية. وبناء على هذه الأرقام التي تطالعنا كلّ حين غدا من الواجب العودة إلى مسوَّدة هذا القانون والاتفاق على صيغة تخرجه من الظلمات إلى النور.
ليس كثيراً أن تشارك المرأة في إيضاح المظالم التي تتعرض لها، بعد أن صادر الرجل صوتها بقوانينه وأعرافه زمناً طويلاً.