(كـنـوز).. تزداد بريقاً

الرياضة 2023/11/27
...

علي رياح

وسطَ الكثير مما يصل إلى العين من جدل في برامجنا الرياضية التي يختار بعضها الإثارة طلباً للشو و(التريند) دون الخوض في التفصيلات الرصينة، أجد لنفسي ساعة تلفزيونية مُميّزة مع صباح صالح، استعيد فيها مواقف وشخوصاً سلكت درب الرياضة، ما زالت تعيش بيننا بذاكرة نصف معطوبة، ولا بدّ من اللحاق بالنصف المُتّقد المتبقي قبل أن يذوي، كي نحفظ لإرثنا الرياضي قليلاً وسط كثير يضيع.. أو يتمّ إهداره.
المُشاهد الرياضي الذي صار يتنقل بين شاشات وأحداث وبرامج رياضية فيها الموضوعي وفيها الغث، ربما لا يدرك أنَّ ثمة برنامجاً تلفزيونياً أكمل ثماني عشرة سنة من عمره، وأوقد الأسبوع الماضي شمعة جديدة يبحث مُتمنطقاً بضيائها عن مساحات مُعتمة من (كنوز) الرياضة العراقية كي يمسح عنها غبار الإهمال في الزوايا الباردة، وكي يشحذ ذاكرتها، وكي يدلّها على طريق الاستوديوهات، فقط لكي يعيد تقديمها لمُتلق عرفها ذات يوم ثم ركنها في أقبية النسيان، أو لصنف آخر من المشاهدين لا يعرف في الأصل قيمة هذه الكنوز لأنه – ببساطة – لم يدرك زمانها، وهو جمهور يمثل الأغلبية، وقد فاته قول الروائي البريطاني جرج أورويل (من يدرك بحق قيمة الماضي، يمكن أن يتحكم في المستقبل).
كثيراً ما صادفت صاحب (كنوز رياضية) وهو ينتحي جانباً في دار الكتب والوثائق أو حتى على مقهى أو في أزقة شارع المتنبي، بنجم من الماضي غزى الشيب بدنه، أو أطفأت العلل بريقاً في عينيه، أو صار العكاز رفيقاً لا غنى عنه. سرعان ما اكتشف أن الاثنين في مرحلة الإعداد للظهور، هي أشبه بمراجعة تحفيزية للذاكرة قبل إبرام موعد محدد لتسجيل حلقة من البرنامج اعتدنا أن تكون مرجعاً في الإعلام في ظل هيمنة ما يُطرح في وسائل التواصل الاجتماعي على المتلقي من حوادث مفبكرة لا أساس لها لكنها تكتسب بعد حين صفة الحقائق لدى جيل يفتقد الموثوقية ويتعامل مع كل ما يُقدم إليه على أنه سند تاريخي لا يرقى إليه شك.
حين انطلق صباح صالح في برنامجه عام 2005، كنت أول من حيّاه، وأول من نوّه بمشروعه الرائع، ولكنني كنت أتساءل عند كل شمعة يوقدها: كيف صمد المقدم وبرنامجه وسط العقبات والمعرقلات وندرة المصادر الأرشيفية التلفزيونية؟ وبعد أن خاض هذا الإعلامي في كل التفاصيل كل هذا العمر الذي قدّمَ فيه المئات من نجوم الرياضة العراقية أتساءل: كيف يمكن لبرنامج يُقلـّب الذاكرة بقصد التوثيق الأمين ولا يثير صخباً بقصد الانتشار، أن يُـتمَّ ثماني عشرة سنة.
لا يملك البرنامج جيشاً كبيراً من العاملين في انبثاقه كل أسبوع، ففريق البحث والإعداد والتقديم لا يضمّ سوى اسم واحد هو أشبه بالرياضي الذي يخوض لوحده مباراة في رياضة جماعية. لن أنسى بالطبع أن أشير بكل الإعجاب إلى شخوص آخرين تصويراً ومونتاجاً وإخراجاً، فلهم حضورهم وإبداعهم ولهم كل التقدير، لكن (عصامية) صباح صالح في السعي والدأب والعمل أسبوعاً كاملاً من أجل ساعة تلفزيونية بمضمون غاية في الصعوبة، تستوقفني دوماً كي أجزل له المديح، وكي أبارك له إيقاد الشمعة التاسعة عشرة وسط كل هذا الضجيج في الإعلام الرياضي التلفزيوني.