سوسن الجزراوي
ربما يختلف معي البعض ويرى في مقالي هذا، دعوة للتمرد على القوانين! ولكن حين تكون هذه الأخيرة مبصرة، أكون معها أما حين تكون عمياء، فبلا شك سأكتب ضدها. أسبوعان تقريباً مرت على قانون المرور الخاص برصد المخالفات المروريَّة عبر الكامرات (الذكيَّة)، والتي تسارع بالتقاط الصور لكل من لايرتدي حزام الأمان، وكل من يحمل هاتفه النقال بيده، ومخالفات أخرى قد أكون لا أعرفها جميعاً.
الذي دفعني لأن أصف هذا القانون ومثله الكثير بأنّها قوانين عمياء، هو وضع الشارع الذي اصبح أقرب بالشبه من علبة (ساردين) حُشِرَت فيها خمسة اسماك صغيرة بالكاد تستطيع الشوكة التقاط احداها، فالمساحة المتاحة لحركة المركبات ايضا، بالكاد تتسع للصغيرة منها، فما بالكم بالدفع الرباعي ومركبات الحمل الكبيرة، وما يتناثر بينهم من (تكاتك، ستوتات، درجات نارية)، فضلا عن غياب عمل الاشارة الضوئية التي حتى وان كانت حاضرة بألوانها الثلاثة، فهي بعيدة كل البعد عن حسابات رجال المرور.
وحتى لا يعتقد البعض ان تطبيق القوانين يجب أن يبدأ منه وينتقل للآخر فالآخر وهكذا، اقول ووفق وجهة نظري: ان تطبيق القوانين يحكمه شعور المواطن بأن الجميع تحت طائلته، بمعنى ان سياسة الكيل بمكيالين يجب ان تبقى بعيدة جدا جدا عن المشهد القانوني، والا فلا يمكن لأي شيء آخر ان يجعله يلتزم، بل قد تحدث كما يقال: (هجمة مرتدة) توصل الأمر لحالة التمرّد، فالانسان بطبيعته، مُقارن! يتبع نظريات هذا الزمن المتهرئ وهي: (ليش اني وهمة لا! وشمعنى بس عليا؟ والقانون يتطبق عالفقير بس)، وهكذا، وبناءً على هذا الشعور، كان من المهم جدا، السعي الى إقرار عدالة كاملة على كل فئات الشعب، المسؤول، الثري والمتنفذ، مركبات الدولة والحكومة والاحزاب، الطبيب، سائق الأجرة، سائق الدراجة وهكذا، الكل تحكمه ذات القوانين، علها تبصر قليلا من النور، وعوضا ان تكون عمياء، تصبح قادرة على الرؤيا ولو (البسناها نظارات)!.
وبالعودة الى القانون الأعمى والذي يصبح أحيانا، قانونا استفزازيا ايضا، دعونا نقف عند الكم الهائل من المركبات التي تصل الى العاصمة عبر منافذ عديدة وآليات متنوعة، المتضررة والمتهرئة احيانا (غرقانة، متهشمة وغيرها)، المستورد للقطاع الخاص، المعارض الخاصة، الوكالات الصينية للكثير من السيارات، وغير ذلك من اصناف المركبات التي تسهم بشكل مفزع في ملء كل الفراغات الموجودة في الشارع، وفي المقابل، لا تسقيط للموديلات القديمة التي تجاوزت العقدين والثلاثة أحيانا، أضف الى كل هذا، النوعيَّة! نوعيَّة ما يستورده البلد سواء الحكومة أم القطاع الخاص.
التاهو، الشيفرولية، الفورد، الپرادو، الرانج روفر واللاند روفر، وانواع اخرى قد لا اتذكرها جميعا، وهنا يرجع القانون ليصبح أعمى بامتياز!، وإلّا فكيف يعقل ان تتحرك كل هذه الآليات في ذات الشوارع القديمة التي كانت تستوعب نصف الموجود اليوم؟؟.
وأعود لأذكّر، ان الدول التي يسودها التحضر والتمدن والاناقة، هي الدول التي يسن مشرّعوها، قوانين مبصرة واقعية قابلة للتطبيق.