علي حسن الفواز
ماذا بعد الهدنة "الإنسانية" في غزة، وماذا بعد تبادل أسرى الاحتلال والسجناء الفلسطينيين؟ هل سيفتح "الوسطاء" ملف السياسة لمعالجة جوهر الأزمة، أم سيكتفون بوظيفة "إنقاذ الأسرى" ليعود الاحتلال إلى حربه الملعونة؟ وكيف سينظر"المجتمع الدولي" إلى استمرار هذه الحرب/ المذبحة في غزة؟.
هذه الأسئلة ستُثير أسئلة أخرى، لأن فرجة العالم على رفض إطلاق النار، والاكتفاء بالهُدن الإنسانية لن تردع المحتلين عن مشروعهم التدميري، وعن فرض سياسته المدعومة من الولايات المتحدة والغرب على الشعب الفلسطيني، وبما يجعل العدوان مفتوحاً، والتدمير ممنهجاً، وعبر فرض وقائع الاستيطان على الأرض، ليس في غلاف غزة، بل في مناطق أخرى.
البحث عن ماوراء الأسئلة يعني مقاربة معطيات واقعية، وأفكار تحتاج إلى مواقف عربية صادقة، على مستوى العمل على وقف الجريمة الصهيونية، وعلى مستوى البحث عن حلول حقيقية تُنهي محنة الشعب الفلسطيني، وكذلك على مستوى معالجة الملف الإنساني – الصحي والعمراني والخدماتي - في غزة، لأن ما تركه العدوان ربما يفوق ماتركته القنبلة النووية في هيروشيما وناكازكي، فضلاً عن المتروك من الآثار النفسية والأخلاقية على الأطفال الفلسطينيين، فرغم استشهاد أكثر من 5000 طفل جرّاء القصف، فإن إسقاطات الفقد والتشوُّه والخوف والحرمان من الحاجات الأساسية ستكون بمستوى القتل الإكراهي الذي يُعدّ خرقاً لحقوق الإنسان وجريمة حرب فاضحة.
إن كابوس العدوان والاحتلال سيظلان ماثلين أمام العالم، فالحقد والكراهية تحولا إلى سياسة عنصرية، وإلى ممارسة تقوم على إقصاء الآخر، وحرمانه من الحق الطبيعي والسياسي والاجتماعي، إذ كشفت تصريحات "مسؤولي الكيان" عن إصرارهم على مواصلة العدوان، وتشديد الحصار على غزة، رغم أن هذا الإصرار سيكون ثمنه باهظاً، وسيُسبب إحراجاً للولايات المتحدة، لاسيما حين يتحول هذا العدوان إلى وجود "أسرى أميركان" وربما يتحول إلى "حرب استنزاف"، وهذه لها أخطارها على كيان الاحتلال ذاته، الذي يواجه ضغوطاً داخلية اقتصادية وسياسية وأمنية وحتى نفسية، لأن أهداف العدوان لم تتحقق، وأن الاستمرار في خيار الحرب، وربما الذهاب إلى "خيار هانيبال" كما هو وارد في السرديات الصهيونية، القائم على التدمير الشامل، والذي يمنح "حق" قتل أسرى الكيان، وهو خيار صعب قد يفتح أبواب جهنم على الكيان داخلياً وخارجياً، ويُثير الشبهات حول سياساته وعلى آفاق دعمها الغربي، لاسيما أن هناك تغيرات واضحة في السياسات الأوروبية كما حدث في مواقف إسبانيا وبلجيكا، فضلاً عن مواقف مهمة لدول في أفريقيا، وفي أميركا اللاتينية، وآخرها تصويت برلمان جنوب أفريقيا على قطع العلاقات الدبلوماسية مع كيان العدوان.