راشد يحصد

ثقافة 2023/11/28
...

   عدنان الفضلي


في منجزه السردي، سواء كان قصصياً أو روائياً، يميل الأديب (حسن عبد الرزاق)، إلى التوثيق الرمزي لشخصيات حقيقية متواجدة في المجتمع العراقي، وحين أتحدث عن التوثيق، فأنا أقصد أنه يكتب عن أحداث جرت فعلياً في البلاد، لكنه يضيف لها مخيالاً قصصياً أو روائياً من نتاج إبداعه الخاص، فهو بلا شكّ يمتلك قدرة في سرد الأحداث من دون أن يكون مباشراً في طرحها، كما أنه يختار لمنجزه أسماء وعناوين غير حقيقية، ومن ثم يبثّ لنا عبر منظومة وعيه السردي نصّه الذي يحمل مراده الإبداعي.

في روايته (راشد يحصد) الصادرة عن دار تموز في دمشق يوثق حسن عبد الرزاق لمراحل عدة من تاريخ العراق تنطلق من سبعينيات القرن الماضي، وتنتهي إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق من دون دخول في تفاصيل الراهن العراقي، وهو توثيق فيه كثير من التهكم على واقع السياسة العراقية في نطاق المدة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية.

بطل هذه الرواية هو شخص ساذج لا يعي ما يدور حوله، وفضولي يقحم نفسه في أحداث لا ناقة له فيها ولا جمل، لكن القدر كان في صالحه، بعد أن تحوّل بفعل تلك المشكلات، إلى شخص انتهازي يجيد توظيف الفرص لصالحه، عبر تحولات عديدة يسردها الراوي. 

راشد وهو الشخصية الرئيسة في الرواية، وكما أسلفنا هو شخص ساذج تصادفه في سبعينيات القرن الماضي تظاهرة ينظمها الشيوعيون الذين يرمز لهم الروائي بمسمى (الشمسيون) ضد حلفائهم آنذاك ويقصد البعثيين وقت استلامهم الحكم، وبسبب سذاجته وفضوله يدخل (راشد) بين المتظاهرين مردداً ما يرددون من شعارات، وأثناء التظاهرة تحدث اشتباكات بين الطرفين، ويتم اعتقال عدد من المتظاهرين ويكون راشد من ضمنهم، فيساق إلى مركز اعتقال.

راشد البطل في هذه الرواية وبعد حادثة الاعتقال وبنفطازية أقرب للواقعية يصير قيادياً من الخطوط الخلفية المهمة للبعثيين، ويتحول إلى مسؤول مهم في محل سكناه ويرتدي الزيتوني، ويتحول إلى الآمر الناهي في صفوف الحزب الذي ينتمي اليه، ولشدة ولهه بالمناصب يكلف بمهام كثيرة آخرها الذهاب للحرب ضمن قواطع الجيش الشعبي، وهنا يبدأ فصل جديد من حياة راشد، حيث يتعرض للأسر عند الجانب الإيراني، وتغيب أخباره ويعدّ من 

المفقودين.

لن تنتهي الرواية عند هذا الحد، فراشد سيحصد ثمن فضوله، حيث إنه وبعد سقوط الطاغية (صدام) يعود من الأسر، ومعه أكثر من حلم جميل، حيث صار من دون مقدمات قيادياً لحزب يطالب بحقوق شعب يجب عليه أن يحترم (تابوهات)، هو نفسه لا يعرف ما الغاية منها، ولكنه حتماً ليس سوى ضحية الغرابة السياسية في العراق منذ خلقت الزعامات الوهمية.