غزّة تغيّر ما صنعته هوليوود

ثقافة 2023/11/29
...

موج يوسف

 لم يغب عن بال كلِّ متفرج أنَّ السيناريو قصة تروى بالصور وأنَّ الدراما تقوم على الصراع بين الشخصيات والخير والشر وفي النهاية ينشر الخيرُ أشرعته على الأرض، وما لفن السينما من أهمية كبرى في خدمة ممّن لديهم قضايا وجودية وفق اعتقادهم؛ فحثت الدول الكبرى مبدعيها من كتّاب سيناريو ومخرجين ومنتجين على عمل أفلامٍ تفهم الجمهور بالقضايا التي يريدون تسويقها للعالم أجمع

 فنرى أنَّ (لينين) نبّه إلى قوة تأثير السينما فهو الذي أمّمها وأنشأ ورشاً سينمائية تابعة للدولة لتتولى تدريس فن السينما على أسس نظرية ممنهجة توظف الأفلام للتأكيد على قيم الشعب حتى تنجح الثورة البلشيفية، فانتجوا العديد من الأفلام التي تلوح للفكر الثوري وأهميته ومنها فيلم (المدرعة بوتمكين) لمخرجه ايزنشتاين الذي تمّ تكليفه من حكومة الاتحاد السوفيتي للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين في روسيا عام 1905 وركز ايزتشتاين على حدثٍ ثوري واحد وهو تمرد البحّارة على متن باخرة (بوتمكين) فهذا الحادث الوحيد الذي يصل إلى ذروته بمذبحة دموية متخيلة على سلالم (الأوديسا) يلخص فيه الظلم الذي تعرّض له الشعب الروسي ويعبّر درامياً عن فساد النظام القيصري وضرورة الثورة، التي نجحت من خلال السينما وهذه الأخيرة نجحت في تسليع قضايا بزعم أنها إنسانية ولكن مضمرها سياسي وهذا ما فعلته هوليوود التي حكمت وتحكّمت بالعالم واستطاعت أن تثبت شرعية ما يسمّى بدولة إسرائيل من خلال بث رؤيتها وإيديولوجيتها في الكثير من الأفلام التي أنتجتها وتحديدا ما يعرف بـ(الهولوكست) وهي الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية وكيف أظهرت الأفلام الظلم الذي تعرض له اليهودي فمنذ الأربعينيات من القرن الماضي إلى وقت قريب أنتجت هوليوود ما يقارب مئتي فيلم استطاعت كسب عطف العالم والمجتمع الدولي بالرغم من أنَّ البعض يؤكدون أنَّ الهولوكست اخترعها اليهود لأسباب سياسية، وأيا كانت المزاعم من هذه القضية فالنتيجة واحدة وهي أنَّ السينما دعمت مشروع توطين اليهود في أرض لا يملكونها وسيطرت على عقل العالم من خلال إنتاج هكذا أفلام. ومن اللافت للنظر أننا نرى في أفلام هوليوود عرض صورة الزنجي العنيف والعربي المتخلّف وربطه بالصحراء والجمل والفيتنامي المجرم والمسلم المتطرف والأميركي السارق لكنها لم تعرض لنا صورة اليهودي أو الصهيوني إلا معه هالة القداسة والمظلومية التي لصقت بجبينه، ولأننّا أمة لم تنجح في رفع صوت قضاياها إلى العالم فغُبنت فلسطين وتعبت أصوات أدبائها ومفكريها من شرح حالتهم لكنّ ما حدث في غزة مؤخراً من إبادة وجرائم حرب بحقّ أهلها وهدم الحياة فيها جعل رأي العالم يتغير في الكيان الذي تعاطفوا معه ودعموه، فالصورة أصدق في بيان الحق الفلسطيني في أرضه وكشف الإبادة التي ما زالت تمارسها الصهيونية ولو أمعنا النظر في كل صور البث الإعلامي والفيديوهات سنلحظ أنها لقطات تنتج نفسها بنفسها وسيناريو يكتبه الأطفال وهم تحت الأنقاض، وآخرون صاروا يتمنون الموت للحصول على رغيف خبز في الجنان الموعودة. فالمشاهد التي أنتجها الموت بكل دقيقة استطاعت أن تحرّك شعوب العالم لتقف مع الشعب الذي يُباد وتعيد النظر في قضية الهولوكست وترى أنَّ ما تقوم به إسرائيل في غزة هو الهولوكست بعينه. وما يمكن قوله إنَّ فعل السينما خطير في تصدير القضايا وهنا علينا إعادة النظر في نتاجنا المعرفي والعقلي ومعالجة ضعفنا السينمائي فهوليوود وجنودها استولوا على العقل الجمعي لأعوام طويلة، لكن اليوم بدأت تلك العقول تتحرر من غزوهم وسنرى أنَّ ما أنتجته غزة من صور ومشاهد يومية يظهر عجز الحركة الصهيونية عن وأد الفكرة الفلسطينية ويأتي حضور الفلسطيني النقيض الذي كان غيابه شرط الكيان الصهيوني ليحول الأسئلة إلى مصير ويعطي للنصر الصهيوني صفته الحقيقية (هزيمة الانتصار) من خلال العرض اليومي الذي دحض عروضاً سينمائية كبرى.