د. علاء كريم
وجد مسرح الشارع منذ أن عرف الإنسان المسرح، وقد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الدينية، وتجارب الإغريق، والمسرح المصري القديم الفرعوني، وفترة عصر النهضة الأوروبية، شأنه شأن أي نمط فني، وايضا تأسست فكرة مسرح الشارع في الولايات المتحدة أواخر الستينيات، إذ كانت العروض تقدم بالمجان إلى جمهور عشوائي، ومركزة على الموضوعات الاجتماعية المعاصرة لتحسين التواصل بين الأعراق والطبقات الاجتماعية والفئات العمرية المختلفة، والأهم من كل ذلك محاولة التعريف لمن هم بعيداً عن المسرح بذلك الفن ودمجهم فيه.
ويسعى هذا المسرح إلى طرح أفكار هادفة للنقاش، في لقاءات مباشرة ودون قيود مع الناس في الشارع، ويهدف إلى كسر الأشكال التقليدية التي ارتبطت في القاعات، فضلاً عن تغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالشارع، ليجعل منها فضاءً ينطلق منه نقاش حقيقي حول المواضيع التي تهم الناس وتخفف من همومهم، وهو بالتالي ليس بالتجربة السهلة لكنها قد تكون ممكنة، كما يرتبط مسرح الشارع بالمهرجانات والكرنفالات والمرح والتجمعات الشعبية، التي تعبّر بالاحتجاج عن السلوكيات السياسية والظروف الاقتصادية السيئة ، وايضا الاجتماعية، كونه يهدف إلى تغيير الروتين بالأفعال والطرح الجريء. هناك اشكالية ترتبط في تحديد (مسرح شارع)، فليست كل المسارح المفتوحة مسرح شارع، وأن عناصر المسرح وفقا لتعريف الكاتب البريطاني (بيتر بروك) هي: «الممثل والجمهور والمكان»، فإذا توافرت هذه العناصر فنحن بصدد عمل مسرحي، أما مسرح الشارع فهو مفهوم خلافي، ليس كل عرض في الشارع هو عرض شارع، فهناك شروط يجب أن يكسبها الفنان المعني بهذا الفن كي يحقق هذا النوع من المسرح، ويجب أن يرتبط هذا المسرح بشكل مباشر مع الجمهور الذي يقدم له، وأن تكون المضامين قابلة للتأويل وفك رموزها بسهولة، كما أن ارتباط هذا المسرح بالمجتمع والبيئة يفرز أشكالا مختلفة وجديدة تستحق الانتباه، فقد تكون مؤثرة وربما تشكل ظاهرة فنية أكبر مما هي عليه الآن. وعليه يمكن تحديد المشكلة عبر مجموعة من التساؤلات، منها: ما هي الآليات التي نحتاجها لمعرفة نمط مسرح الشارع، ومعرفة تقنياته الخاصة في الكتابة والعرض المسرحي؟ وهل يعتمد مسرح الشارع على الارتجال الذي يفرضه الحوار التفاعلي المتبادل مع الجمهور؟ ولماذا يقدم مسرح الشارع في الشارع وليس على خشبة المسرح؟ وهل يتقبل الجمهور عروض مسرح الشارع، لأنها تقدم نوعًا من النقد السياسي والاجتماعي أم ماذا؟ والأهم هو هل نحن في العراق بحاجة إلى مسرح الشارع؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تعتمد على طبيعة الواقع الذي يعيشه المسرحي، ونوعية الجماهير التي يتعاطى معها هذا المسرح. يقدم هذا المسرح في الشارع، لأنه يهدف إلى الخروج عن الشكل التقليدي للمسرح، وبشروط محددة مثل: الصدق في طرح مشكلات الواقع، واختيار النصوص التي تلائم الجمهور، ولأن الكتابة في مسرح الشارع صعبة من دون معرفة مسبقة لآليات الاشتغال على تلك العروض، والتماهي مع متطلبات الجمهور على فهم احتياجاته. كما أن عروض مسرح الشارع تتحرر من الديكورات وتعتمد أساسا على الممثل الذي يمثل بجسده كل الكتل، وبالتالي هو يشتغل خلاف مسرح العلبة، لأنه يعتمد المباشرة التي تخلق الحميمية وتجذب الجمهور، وفي هذا المسرح يجب أن لا يبتعد الكاتب والمخرج عن بيئة العرض، والتي هي بيئة متنقلة، بمعنى أن العروض تقدم في أماكن مختلفة غير المباني التقليدية للفن المسرحي. وتكمن أهمية الرؤى في مسرح الشارع، عبر تحول المفردة المرتبطة بالجانب الحياتي، إلى معالجة جمالية، وايضا تكمن أهميته في كونه مساحة مفتوحة لتجريب الرؤى الاخراجية والأدائية، عبر اكتشاف التجارب الانسانية الملامسة لخصوصية الفرد أو الناس. وهذا ما تجسد في مهرجان بغداد الدولي لعروض مسرح الشارع، الذي نظمه تجمع فنانو العراق برعاية وزارة الرياضة والشباب في (9 تشرين الثاني 2023)، إذ تم تقديم مجموعة من العروض المهمة في هذا المهرجان، منها: مسرحية (صرخات موجعة) معهد الفنون الجميلة – نينوى، مسرحية (التنكة) جمعية الأدباء الشعبيين – نينوى، مسرحية (اللعب في دائرة الجنون) فرقة أريدو – بغداد، مسرحية (رسائل) العتبة الحسينية المقدسة – كربلاء. وبالتالي يعد مسرح الشارع ظاهرةً غير منفصلة عن الواقع السياسي والحراك الدائر منذ زمن، وايضا هو مسرحٌ تحريضيٌّ، لأنه يقدم عروضه على الأرصفة، عروض تحمل الهموم والمعاناة، وايضا تتحدث هذه العروض عن الفقر والظلم. ليتمكن المتلقي من إيجاد عملية خلق للتوازن عبر بناء الوعي الإنساني الجمالي، ومجموعة الأفعال التي تعمل من أجل تحقيق حرية الإنسان، كنتيجة لعلاقة المسرح بالحياة.