طالب كاظم
اليفيتاننت كولونيل ت. أ. لورانس هو ليس الروائي د.هـ. لورانس، كما يعترف في مذكراته بأنه لم يقرأ أيا من روايات الأخير الشهيرة، مثل «عشيق الليدي تشارلي، ونساء عاشقات، والخاطئ»، إلا أن ت. أ. لورانس، قرأ القصة القصيرة «الضابط البروسي» لمواطنه اللندني د.هـ. لورانس، بسبب كراهية العرق الجرماني المتجذرة في دمائه. على أي حال كانت هي كراهية غير مبررة أخلاقيا، بل أنها تشي بأفق عنصري ضيق. وينحدر اليفيتاننت كولونيل ت. أ. لورانس، من أصول نورماندية، وهو أيضا هجين «سكسوني» غير نقي من طرف بعيد يذكره بعائلة الأم. وكي لا يبدو الأمر كسيرك للغة والتفسيرات التي لامعنى لها لسيرة لا تعنينا في شيء- طالما لم يعد هناك أي أحد يبالي بالعرق أو بالسلالة النقية المتفردة-
فإن رواية عشيق الليدي تشارلي قدمت لنا صورة لمجتمع ما بعد الحرب الأولى، المجتمع الارستقراطي العاجز. فالبستاني في الليدي تشارلي، الذي دنس عرقهم الارستقراطي لم يعد يشغل تفكيرهم، سواء تعلق الأمر بالأبناء غير الشرعيين أو بأبناء السفاح أو بنسل نساء سيئات السمعة، باستثناء القبائل التي تنفق مدخراتها، من أجل اغواء نساء القبائل الاخرى للنيل من سمعتها.
أدرك أن سيرة الافاقين والخونة بائسة ومملة! ولكن سيرة هذا الرجل الهزيل ت. أ. لورانس بعد أن هرب من مواجهة الجيش البروسي الذي قاتل بشراسة لا يمكن عدها سلوكا طبيعيا، على طول الجبهة الغربية، حيث الخنادق الرطبة التي تختنق بدخان خشب السنديان المبلل والطين اللزج.
لورنس هذا، أمضى وقته في حانات لندن، وهو يدفن وجهه النحيل الشاحب في مجلد تاريخ هيروديت الكبير، ألهمته خديعة اديسوس حينما أقنع اجامنون بفكرة الحصان المعروفة في حرب طروادة.
القصة بدأت حينما وضع أوديسيوس أفعى صغيرة في إناء أغلق بطبق وقدمه لملك الاغريق، حينما رفع الأخير الغطاء عن الإناء قفزت الأفعى تحاول أن تلدغه! وكانت الفكرة التي ألهمتهم بصنع الحصان المحشو بالمحاربين، أو الأبطال السبعة أو الأثنا عشر! فالحرب لا تتطلب تضحية كبيرة أو شرفا رفيعا، لكي تنتصر طالما يمكنك خداع العدو. في الأخير تم ترقية الليفيتاننت ت. أ. لورانس إلى رتبة كولونيل بعد أن أتقن العربية بلكنة عرب الجزيرة، يمكنك مشاهدة فيلم “لورنس العرب” ومتابعة اللعبة الدراماتيكية التي أخرجها ديفيد لين والتي تظهر العرب على أنهم إنصاف برابرة وقبائل همجية قائمة على مبدأ إن لم تسرق أحدهم سيسرقك غيره، أو إن لم تقتله قتلك؟
أرسله تشرشل، الرجل الذي تظهر الأفلام التسجيلية، وهو يدخن سيجارا ضخما، لقيادة جنود المستعمرات، الهنود والمرتزقة والقبائل ورجال البادية الاجلاف، لقتال فيلق الخلافة التركية في الحجاز، الخلافة التي ترنحت بعد إنهيار حليفتها الجرمانية، تحت مداخن غاز الخردل الكثيفة، وتحالف “راس مال” الشيقل الذهبي الذي تديره الأسر التلمودية المتنفذة.
اليفيتاننت كولونيل ت. أ. لورانس ببشرته الرقيقة وبعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، قام الممثل بيتر اوتول بتجسيد شخصية لورنس في الفيلم الذي يحمل عنواناً ملفتاً: لورنس العرب! الذي يبدو كوميديا “رمادية” أكثر منه فيلما “ديكومنتري دراما” أو فيلم “دراما وثائقي”.
الكولونيل لورنس نال اعجاب الشريف حسين، ملك الثورة العربية الذي مهد لآباء الكيبوتزات الاوائل، الشروع في إقامة وطن أرض الميعاد، كما دفع به ليكون مرشدا لابنه الأمير فيصل، ملك العراق فيما بعد، بعد أن طردته سوريا، في قيادة مرتزقة فيلق الثورة العربية ضد الامبراطورية الكسيحة تركيا، سنتعرف إلى نوري السعيد وجعفر العسكري والعديد من الجنرالات وهم ينتظرون هبات وزارة المستعمرات مقابل خدماتهم “التي لا تقدر بثمن” للتاج البريطاني، ولكن مواطنته مس جيروترد بيل الهزيلة والتي تعاني من سل ورثته عن عائلتها، الارستقراطية، اللقب الذي استحقته بجدارة، ما أسرده هنا ليست له اي علاقة للنيل من سمعتها أو تشويه تاريخ عائلتها العريق بروايات مختلقة. مس جيروترد بيل نفسها، كانت تمجد التاج المقدس، ومأخوذة بسيرة الملكة المتصابية اليزابيث الأولى، وتدين بالولاء الكاثوليكي لملكها جورج الخامس، وتعد نفسها أحد فرسان الطاولة المستديرة، كما لو كانت في عهد الملك العتيد آرثر، وهي التي تعهدت بحماية الكأس المقدس حتى آخر يوم في حياتها، والتوراة ورعاية إبناء يهوده المختارين، وأنها مرسلة من الأم الشفيعة، لإنقاذ الأقوام الشرقية من همجيتها، في حقيقة الأمر، أنها تمجد الامبراطورة كاترين وتاريخها الملتبس، كما تعد لينين والبلاشفة الروس خطرا يحدق بممتلكات التاج التي لا تغيب عنها الشمس، غالباً كانت تخفق في قراءة مسرحية شكسبير كــ أنطونيوس وكليوباترا، بسبب نوبات السعال الشديدة التي تنتابها والحنق والرغبة في علاقة حميمية تعيد إليها الشعور الذي أفتقدته، الأنوثة! صحتها متردية وقوامها يتضاءل طوال الوقت، عندما تضطجع في مخدعها، كانت تندب أنوثتها الذاوية حينما تحلم بشخصية راسبوتين، الذي نال من شرف عائلة الامبراطور الروسي نيقولاي الثاني، فــ راسبوتين، كرجل مثير، يعد بالكثير، لامرأة مثلها متوعكة وعانس، يحيط بها رجالات بغداد كما لو كانوا في سيرك للمهرجين، علها تتوج أحدهم على عرش العراق. الكولونيل ت. أ. لورانس، خدع الشريف حسين بوعود مضللة حين وعده بإقامة دولة الخلافة العربية، باستثناء، أبنه البكر، الأمير فيصل، الذي نصب في دمشق كملك دستوري بلا صلاحيات، أما الجنرالات الاخرون الذين أغوتهم الألقاب التي وهبها لهم الملك جورج الخامس بتوصية من وزير مستعمراته، نالوا ترقياتهم بالروبية كـ مكافآت مجزية لقاء الخيانة، مثل أديسوس الإغريقي كان ت. أ. لورانس يجيد الخديعة فأوقع الجميع في فخ حصانه الخشبي، فالعجوز الطروادية سحقت مرة اخرى وإلى الأبد واقاليمها تمزقت بمشرط ماسوني، بعد هروب الملك فيصل الذي طرد من دمشق، أعادت مس جيروترد بيل، ترتيب أوضاع العائلة المالكة الجديدة، وجرت تمثيلية تنصيبه في بغداد كملك، في حقيقة الأمر كان الأمير فيصل يؤدي دور ملك في مسرحية، مع المزيد من التبغ وزجاجات السكوتش الاسكتلندي وصور لنساء يرغبن بمعاشرة ملوك الأقاليم في فنادق بازل السويسرية للتمتع بليلة تشبه ليالي ألف ليلة.
ت.ا. لورانس ومواطنته جيروترد بيل، أو الكولونيل المخادع والارستقراطية الهزيلة مس بل، ماتت بجرعة مضاعفة من الحبوب المخدرة ودفنت في بغداد بلقب فخم يليق بتاريخها الامبريالي “خاتون”! الاثنـــان صنعا سلالة من الخونة والافاقين، لاتزال تتناسل حتى يومنا الحاضر.