رسالة لتغيير الواقع ..مسرح الشارع في العراق

ثقافة 2023/12/03
...

 استطلاع: رائد العكيلي


يعود مسرح الشارع في العراق إلى زمن قديم، من الممكن أن تكون بداياته التي ظهرت للعيان بشكل واضح اثناء ممارسة الطقوس الدينيَّة والتراثيَّة في بعض المناسبات.  وفي كردستان يتذكر المسرحيّ كامران حاجي الياس، وهو يقول: عندما تكون هناك سنة جفاف ويقل فيها هطول المطر، تبدأ مجموعة من الرجال والأطفال برفع قماش، والتجوال عبر المحلات والأزقة وهم يغنون بشكل جماعي غاية في سقوط الأمطار، وعند مرورهم من جانب البيوت، يعمد صاحب كل بيت إلى رمي الماء على الجميع.

ويتابع: تاريخ مسرح الشارع في العراق يرجع إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، خاصة عندما تأسست (فرقة الفن الثوري) عام  1969 على يد الفنان الراحل رحيم ماجد، حيث قدم عددا من الأعمال المسرحيّة في مدينة
الديوانية.
ويستعين الياس بحديث الناقد الدكتور بشار عليوي في كتابه «مسرح الشارع في العراق»، حين قال «في سبعينيات القرن الماضي ظهرت فرق مسرحيّة عديدة اهتمت بتقديم عروضها المسرحيّة حيث يوجد العمال والفلاحون، منها فرقة المسرح العمالي، وفرقة المسرح الريفي، اللتان قدمتا عروضهما المسرحيّة داخل المصانع والقرى والأرياف، ففي أرياف محافظة بابل قُدمت مسرحيّة (صورة من مزرعة جماعيّة)، ومسرحيّة (جف الكاع) عام 1973»، أما اليوم فيرى الياس أن هناك فرقا مسرحيّة عدة لمسرح الشارع في بعض المدن العراقية تشارك بعروضها داخل البلاد وخارجها، وتقدم جوائز لأفضل ممثل وممثلة وأفضل إخراج وفكرة وكذلك أفضل عرض متكامل. لذلك يعتقد الياس أن مسرح الشارع في العراق بتطور مستمر.  
ويقول “كثيرون هم رواد مسرح الشارع والذين لهم دور كبير في تطوير ونهوض هذا الفن العريق مثل رحيم ماجد، جعفر علي، كريم خنجر، سعدي يونس.. الخ، والآن هناك عدد من الشباب يمارسون هذا الفن، ويشاركون في المهرجانات داخل البلاد وخارجها، ومنهم في كردستان، حيث مهرجان الشارع الدورة السابع، وقبل أيام كان مهرجان كركوك الدولي للشارع بدورته السابعة.
ويشير إلى أنّ لهذا الفن أهمية كبيرة، ولذا فمن الضروري أن يستمر لأنه أفضل وسيلة للتعبير عن المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، ومن الضروري أيضا على الحكومة ونقابة الفنانين العراقيين دعم هذا الفن الجميل.

الأوضاع الاقتصاديَّة
ويرى رئيس قسم المسرح في معهد الفنون أربيل دارا محمود أن هناك تطورا كبيرا في مسيرة مسرح الشارع بالعراق، ويقول إن الدليل على ذلك هو في انطلاق مهرجانات كاملة عن مسرح الشارع في معظم المحافظات، ومن خلال مسرحيات قصيرة تتراوح مدتها ما بين 10 إلى 15 دقيقة، يطرح عبرها بعض المشكلات التي نعاني منها، خاصة المواضيع التي تتعلق بالقتل و “السوشيال ميديا”.
ويضيف أن “لهذا الفن روادا كثيرين مازالوا يشاركون هذا المسرح، كما أنه لا يمكن تحديد أين يقفون بالضبط، لأن مسرح الشارع مستمر رغم بعض التعثرات والتحديات التي يمر بها من حيث قلة الاهتمام والدعم، وبالتالي “صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الممثل بسبب ندرة فرص العمل”.
ونتيجة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن المسرح عموما، والفنانين خصوصا يعانون من قلة العروض لعدم توفر ميزانية مخصصة لهم على الرغم من أن الكثير من العروض التي تطرح تكون على نفقة الفنان الخاصة، لهذا فأن مستقبل مسرح الشارع يبدو غامضا، لكن يبقى الفنانون في حالة تفاؤل كبير ولديهم استعداد لتقديم ما بوسعهم لديمومة هذا النوع من الفنون المسرحيّة.

التظاهرات السلميَّة
ولأن مسرح الشارع هو وسيلة للتعبير عن الأفكار والخلجات والإبداعات.. يرى  الإعلامي المسرحي أمجاد ناصر أن ظهوره كان أوضح للناس في أيام التظاهرات السلمية ويقول أثناء التظاهرات  تولدت فكرة إعادة مسرح الشارع إلى العراق لدى الشباب الذين احتجوا على الفساد، وطالبوا بالتغيير والإصلاح، فضلا عن توفير فرص العمل والتوظيف الحكومي وتحسين الواقع الخدمي وغيرها الكثير من المطالبات التي دفعتهم إلى بلورة أفكار مسرحيّة كتبوها ومثلوها خلال هذه التظاهرات السلمية لتثقيف الشارع بالمطالب المشروعة من دون الاساءة للأخرين أو إثارة الفتن والشغب وتخريب أملاك الدولة.
في الوقت ذاته، كان هناك غيرهم من الشباب منشغلين بتقديم عروضهم خلال التجمعات الثقافيّة، كما في شارع المتنبي ببغداد، وشارع الفراهيدي في البصرة، وكذلك الحبوبي في الناصرية وغيرها من بقية المدن والمحافظات العراقية، لأن مثل هذه العروض القصيرة، بحسب امجاد، من غير الممكن تقديمها على خشبة المسرح التقليدي التي تمتلئ مقاعد صالاته بجمهور محدد، في حين أن حضور ذات الجمهور في الشارع لمشاهدة مسرحيّة يفوق العدد، لذا فأن تقديم هذا النوع من المسرحيات في الشارع يكون أنسب لمباشرتها وتفاعلها مع المتلقين.
ويضيف أن “الكثير من الذين لجأوا إلى العمل في مسرح الشارع يعود لافتقارهم الدعم وعدم قدرتهم في تقديم عروضهم أو لانعدام القاعات المسرحيّة في مناطقهم، لذا سعوا من خلال الشارع إلى اثبات وجودهم، وإن كانت تجارب البعض منهم بسيطة، لكنهم كانوا وما زالوا يمتلكون الموهبة بحثا عن فرصة الانتقال إلى مسارح القاعات أو إلى الإعمال الفضائية  .
ويتابع أن “لكل محافظة ومدينة في العراق فنانون خاصون بمسرح الشارع، ولا يمكن تقييم عروضهم إلا من خلال مختصين وكذلك نقابة الفنانين في كل المحافظات، فمثلا هناك مهرجان سنوي في محافظة نينوى لمسرح الشارع حمل دورته الثالثة اسم الفنان الرائد الموصلي موفق الطائي، ومهرجان آخر في الديوانية عن الفنان الراحل رحيم ماجد، وهو مُمثل ومُخرج ومُعلم مسرحي من مواليد مدينة الدغارة التابعة للمحافظة، ويعد رائد مسرح الشارع في العراق حينما أسس عام 1969 فرقة مسرحيّة دعاها بـ (فرقة الفن الثوري) وتضم عدداً من زملائه الطلبة منهم (رياض الشبلي، عدنان الزيادي، سمير حميد، مجيد حميد) أيضا هناك أعمال قدمها الفنان هشام شبر من محافظة البصرة، وتحديدا في مقهى الأدباء وهي أعمال قريبة ولا تختلف عن مسرح الشارع.
ويعتقد امجاد ناصر بأنّ مسرح الشارع بدأ يخطو بالشكل الصحيح، تحديدا بعد دخول الشباب الاكاديميين الخريجين من معاهد وكليات الفنون الجميلة، فضلاً عن نخبة من الأدباء والشعراء بعد أن كان أغلبهم من النشطاء المدنيين، وحتى الشعراء الشعبيين كانت لديهم محاولات بإلقاء قصائدهم على طريقة المسرح أو “المونودراما” لكنهم اتخذوا من الشارع كخشبة لمسرحهم (الستيج)، وربما هناك تعثرات، لأن الفن لا يحتاج فقط للكتابة وأداء الأدوار، بل للاكسسوار والملابس والعمل التطوعي المجاني.  
ويرى أن الطقوس الدينيّة التي تؤدي في شهر محرم وعاشوراء وكذلك المولد النبوي الشريف هي الأقرب لمسرح الشارع، حيث التنظيم، ومشاركة من الجنسين وبمختلف الأعمار، فضلا عن حضور جمهور كبير يفوق جمهور المسرح الكوميدي والتراجيدي، لأن الجمهور يكتفي بالمشاهدة وقوفا ويتحرك في أي إتجاه بلا تقيد او تحمل ما تسببه التقنيات من إضاءة وإنارة وتهوية في غير من ضغوط، فتراه يتفاعل مع الاداء ويندمج بطريقة متناغمة، وفقا لتعبيره.
ويقول إن الملفت في إقامة مهرجانات مسرح الشارع هو جعلها من ضمن الفعاليات التي تدار مع جلسات نقديّة وشعريّة بعيدا عن التكلفة المادية، وعدم الحاجة إلى ميزانيات كبيرة كالتي تخصص للمهرجانات المسرحيّة المعروفة.
ويتابع: فرض مسرح الشارع وجوده على الجمهور الذي يشاهده ويصوره من خلال الهواتف النقالة ومن ثم ينشر في صفحات ومنصات التواصل الاجتماعيّ، حتى أصبح البعض نجوما و (ترندات).

ندرة هذا الفن
أما الفنان و الباحث النفسيّ رفيق حنا، فيقول إن «مسرح الشارع في البلاد لا يحظى بالحضور المطلوب في الوسط المسرحيّ العراقيّ» موضحا، «لعدم الاهتمام به من قبل المسرحيين، مثلما المسرح التقليديّ والتجريبي سواء كان ذلك في معاهد وكليات الفنون الجميلة، أو في أوساط الفرق المسرحيّة».
ويضيف أن «نشاط  مسرح الشارع في العراق، يبدو قليلا من ناحية النوع والكم، كما أننا لم نلاحظ أسماء لمخرجين أو مسرحيين عراقيين عملوا بصورة مستمرة في مسرح الشارع، باستثناء عدد محدد جدا مثل الفنان الشامل الراحل رحيم ماجد و الراحل الفنان سعدي يونس اللذين كان لهما بصمات واهتمام مستمر في مجال مسرح الشارع».
 ولا يجد حنا هناك محاولات جادة، إن صح التعبير إستراتيجية لتعزيز أو تطوير مسرح الشارع، وأن ما نلاحظه، بحسب قوله هي «محاولات فردية في هذه المحافظة، أو تلك مع تقديم بعض الأعمال التي تكاد تكون موسمية أو بحسب توفير المتطلبات التي يحتاجها هذا المسرح.
لذا فمن الضروري أن يكون هناك اهتمام أكاديمي من قبل معاهد وكليات الفنون الجميلة أو من قبل كتاب المسرح الذين نادرا ما يكتبون لمسرح الشارع، فضلا عن حاجتنا إلى دراسات استطلاعية أو بحوث اكاديمية بهدف تشخيصها من قبل الخبراء في هذا المجال لمعالجة العراقيل التي تحد من انتشار وتطوير هذا النوع من المسرح.

التجدید والتجریب
من جهته، يقول رئيس قسم الفنون السينمائية والمسرحيّة في کلیة الفنون الجمیلة أربیل الدكتور زیلوان طاهر، إن «بدایات مسرح الشارع في العراق تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث انبثق من أسس فکريّة وفنيّة وجماليّة، وکان الفنان سعدي یونس مع مجموعة من الشباب آنذاك، من أوائل المسرحیین الذین كانوا قد قدموا أعمالا باسم مسرح الشارع في حدائق عاصمة بغداد، وفي العدید من المحافظات الأخری».
 ويضيف: في نفس الفترة کانت هناك مجموعة من المسرحیین الشبات یقومون بتشکیل فرقه مسرحیة عمإلىة، وفرقة ریفیة للفنون المسرحیة، وقد قدمت مجموعة من الأعمال باسم مسرح الشارع في القری والنواحي العراقیة، علی طریقة المسرح التعلیمي غاية في طرح الكثير من المواضیع السیاسیّة والاجتماعیّة والسایکولوجیة ذات دلالات تعبیریَّة ورمزیّة.
ويتابع طاهر أن “مسرح الشارع یتماهي مع المکان والزمان والفضاءات المفتوحة التي يعرض فيها، فهذا المسرح يذهب إلى الجمهور أو المتلقي اینما تجمع وتجمهر، لهذا یعتبر من المسارح المهمة والعصریة في حياتنا هذا کعصر العولمة بفرضیات إیجابیة وطرح التساؤلات السیمیائیة، لأن في مسرح الشارع یطرح القضایا والمواضیع العصریة التي تهم الشارع في الفترة الانیة نفسها.
وفي أوروبا فإن مسرح الشارع عبارة عن أعمدة الثورات السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة والاقتصادیة وفي جمیع المجالات الحیاتیة، من أجل المطالبة بحقوق الإنسان ومنجزات الثورات مثل الثورة الطلابیة في فرنسا، بحسب طاهر.
وفي هذا السياق، يرى طاهر أن مسرح الشارع العالمي حاليا یتقدم نحو الآلي وتوظيف جمیع التقنیات والتکنلوجیات السینمائیّة والمسرحيّة عبر الاستفادة من الإعلام البصري والسمعي والمقروء وكذلك الإلكتروني من أجل خلق التغریب والتجدید والتجریب في إطار مسرح الشارع.

التعبیر المسرحيّ
ويعتقد الفنان المسرحي صباح عبدالرحمن أن مسرح الشارع  لا ینتمي إلى مدرسة معینة، أو منهج فني، أو أسلوب محدد بمواصفات تطبيقات مرسومة ووفقا لریورتوار فأنه «نشاطات فرقة أو فريق مسرحي أو مستلزمات الاعداد المسرحي التقلیدي». ويقول إن «مسرح الشارع یتخذ أصوله من مسرح الارتجال المتداول في معظم بلدان العالم، وتحت مسمیات عدیدة.
ولا یخفی علینا نشوء هذه الطریقة في التعبیر المسرحي في اثینا موطن المسرح الأول عندما کانوا یقیمون الطقوس لالهتهم وأعیادهم وکذلك عروض العصور الوسطی في المسرح الانگلیزي عقب مواقف الكنائس من العروض المسرحيّة .
ويتابع: یمکن أن نستخلص من خلال هذا الاستعراض بأن مسرح الشارع ولید الافتقار إلى المسرح التقلیدي کمبنی خاص یضم المنصة الخشبة بکامل مکوناتها التقنیة من إضاءة ودیکور إلى جانب صالة مریحة للجمهور المتلقی.