غاز محروق

العراق 2023/12/03
...

أحمد عبد الحسين

الغاز المحروق هدراً معضلة من معاضل خراب السياسات الاقتصادية العراقية منذ اكتشاف النفط فيه، فهي مشكلة قديمة تتجدد كلّ حين ويتجدّد معها الحديث المكرّر عن أسبابها وطرق حلّها والعوائق التي تحول دون التخلّص منها، وهي عوائق ذات جنبتين: فنيّة تتعلّق بتهالك البنى التحتية النفطية، وسياسية تتلخص بغياب القرار السليم وإصرار بعض دول الجوار على الاستفادة
من ثمار هذه المعضلة المزمنة.
خسائرنا نتيجة حرق ثرواتنا من الغاز تقدّر بأكثر من 12 مليار دولار سنوياً بحسب مستشار رئيس الوزراء، وبحسبه أيضاً فإنّ بمقدورنا الوصول على النسبة صفر من الحرق خلال سنتين فقط، لكنّ دون ذلك شروطاً أهمها التخلّص من الفساد المستشري وامتلاك القرار المستقلّ وانتهاج سياسة اقتصادية تضع تجديد البنى النفطية
في أولوياتها.
من شأن حلّ هذه المعضلة رفد الاقتصاد بمورد دائم، وتحسين الطاقة الكهربائية التي كانت على الدوام ورقة يُضغط بها على الدولة خارجياً من قبل الدول التي تصدّر الغاز للعراق، وداخلياً لأنها طالما كانتْ سبباً رئيساً في اندلاع احتجاجات صيفيّة
في كل عام.
في نيسان الماضي قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني: إنّ الخلاص من هذه المشكلة يقع في أولويات سياسة حكومته، وكرر ذلك في مناسبات عدّة، وبحسب تقديراته فإن ثلاثة أعوام كافية لجعل هذه المعضلة مجرد ذكرى مؤلمة، وهو أمر إن تحقق فإنّه سيكون أكبر إصلاح
اقتصاديّ حدث منذ التغيير.
ليستْ الخسائر الاقتصادية، على أهميتها، هي أخطر ما يأتي به حرق الغاز، فهناك خسارة فادحة قلّما أشير إليها، وهي أن هذه المليارات التي تحترق في الجوّ تُطلق غازات ذات سمّية عالية هي المسبب الأول لأنواع السرطانات في المناطق النفطية بالعراق. ففي تقرير لمنظمة حقوق الإنسان ورد أنّ إصابات السرطان في المناطق القريبة من حقول النفط أكثر بثلاثة أضعاف
من مثيلاتها في سائر المناطق الأخرى.
على ما تقدّم فإنّ القضاء على ظاهرة حرق الغاز ستكون له فوائد اقتصادية لأنه سيتيح للعراق أن يكون مصدّراً للغاز، وسياسية تتعلق بسيادة الدولة وتخليصها من ابتزاز الأباعد والأقارب، وأمنية لأنه سيخفف من أزمتنا الفولوكلورية مع الكهرباء، وصحيّة لأنه سيوفّر بيئة أكثر أمناً لأطفالنا.