علي حمود الحسن
لديَّ قاعدة ذهبية- شخصية وليست نقدية- غالبا ما اعتملها في المشاهدة الأولى للأفلام، مفادها بأن الفيلم الذي أقبل على مشاهدته، من دون ملل أو تذمر حتى نهايته، هو فيلم ناجح بالضرورة، والعكس الصحيح، هذا ما حصل معي اثناء مشاهدتي لفيلم رديلي سكوت الموعود " نابليون "(2023)، الذي اراد له صاحب" المصارع" أن يحيط بسيرة نابليون بونابرت العسكرية والشخصية، لفترة امتدت من 1993 وحتى موته الحزين وحيدا في منفاه عام 1815، إذ لم أتحمس كثيرا للفيلم، الذي بدا ملحميا مبهرا بتصويره للمعارك والحشود وإدارته الإنتاجية الباذخة، التي غطت ست من معارك بونابرت الشهيرة في البر والبحر، موحيا بأجواء القرن التاسع عشر، من خلال تنوع الأزياء والمعالم والأزمنة، وهذا متوقع من مخرج برع في صناعة الأفلام التاريخية، لكنه من جهة أخرى افتقد الحبكة وعمق الشخصيات واأحداث، ما أثر في سرد الوقائع وتسارعها، فجعلنا كأنما ننظر للأحداث، من خلال زجاج سيارة مسرعة .. افترضُ أن ريدلي سكوت في خريف عمره(85) أراد إنجاز ملحمة تخلده، فاختار شخصية نابليون (خواكين فينيكس) المأزومة والعبقرية في الوقت ذاته، مقتفيا اثره؛ ضابطا مدفعيا قصيرا طموحا معتدا بنفسه، ثم صعوده السريع بعد تكليفه بفك الحصار الانكليزي على مدينة طولون الفرنسية، فاصبح ذراع رجل الثورة الفرنسية الرهيب روبسبير، الذي وجد فيه القوة التي ستنقذ الثورة من كيد الملكيين، تزوج من جوزفين الأرملة الساحرة التي تكبره بسنوات، فامتلكت عقله وجسده، لينطلق في فتوحات أعادت لفرنسا هيبتها ضاما لها أراضيَّ وممالك، فتوج نفسه امبراطورا مزيحا في خطوة رمزية سلطة الكنيسة بلا رجعة، أراد كاتب السيناريو ديفيد سكاريا أن تكون الأحداث الكبرى، من خلال العلاقة المشبوبة والمتوهجة التي تربطه بزوجته الشبقة (فانسيا كيري)، التي يتحول في أحضانها إلى طفلٍ مستكين مرتبك بلا إرادة، وليس فاتحا عظيما ضحّى بثلاثة ملايين فرنسي لبناء مجده الإمبراطوري، تأمره أن يردد: " أنا لا شيء من دونك"، فيرددها بخنوع.. هذه الأحداث الفاصلة في التاريخ من تحولات كبرى في المجتمع الفرنسي وإعدام الملك وزوجته مرورا بانتقام الثوار، وانتهاءً بقصة زواجه للأرملة الطروب ومعاركه الست الكبرى، خصوصا معركة "أوسترليتز"، التي وقعت على بحيرة جليدية، تحمل أعباءها مدير التصوير العبقري داريوس وولسكي أدار اكثر من 10 كاميرات ومئات المجاميع، فتمتعنا بلقطات مذهلة على الرغم من دمويتها، لاسيما سقوط القذائف على الجيش الروسي وغرقهم مع خيولهم في الماء بعد أن تتطاير كتل الجليد الملطخة بالدماء.
قدم خواكين فينكس شخصية نابليون على طريقته، فهو الوجه العبوس الجامد في المعارك، والكائن الخانع الحزين، الذي تتحرك يداه بارتباك.. يبدو أن سكوت وفريق عمله - صرح بذلك المخرج- لم يهتموا كثيرا بالحقائق التاريخية باعتبار الفيلم عملا دراميا وليس تسجيلا، فمثلا رد سكوت على المعترضين على مشهد ضرب الاهرامات، بالقول: "لا يهمني ان كان ضربه ام لا، المهم أني أوحيت لمشاهد باحتلاله مصر".
ليظل التساؤل مفتوحا هل ما شاهدناه في هذا الفيلم، هو نابليون بونابرت؟.