الكابوس بديلاً للحُلم

الرياضة 2023/12/04
...

علي رياح

كرة القدم في البرازيل، مواهب تنمو على الشواطئ، ونجوم يتألقون في ملاعب الدنيا، وهوس جماهيري لا نظير له، وآفة مراهنات تشكل جزءاً يمكن وصفه بالأساسي من الثقافة الرياضية لديهم بوصفها (صديقك الذي يحقق أحلامك) وهو شعار متداول قد يفضي إلى (الكوابيس) في أغلب الأحيان.
المشهد الأكثر اجتذاباً للأنظار في سبع وعشرين ولاية تضمها البلاد، أن الناس من انتماءات شتّى تجلس في الأماكن العامة، تتابع المباريات وفي أيديها أو في جيوبها قصاصات الورق التي تحمل الرهانات.. وقد تحولت هذه القصاصات إلى أمل مستديم يرجو كل منهم تحقيقه، لينتقل من طور حياتي إلى آخر.. بعضهم كانت الجائزة كبيرة بالنسبة له وإلى الحد الذي نقلته من أحياء الصفيح الفقيرة إلى شقة فارهة تطلّ على (باوليستا) الشارع الرئيس في ساو باولو.
مكاتب المراهنات هنا مُرخـّص لها، وهنالك قانون للعقوبات صدر عام 2018 قيل إنه ينظم التفاصيل. ومن الناحية العملية لم يتم تطبيق هذا القانون إلا في حالات محدودة، وذلك لشيوع مفردات مثل تمرّد.. تلاعب.. رشوة.. تهديد.. تزوير، ولهذا بقيت المضاربات التي يجريها الكبار في السر بينما الناس تضع رهاناتها بشكل علني.
سألت الصحفي البرازيلي ريكاردو بيريث: هل أنت مؤمن بالشعار الذي ترفعونه في البرازيل: (أكتب رهانك، واكسب الجائزة)؟
صدرت منه على الفور ابتسامة ذات مغزى، ثم أجاب: دعني اتبسّط في توضيح المسألة، التقديرات المبدئية تشير هنا إلى أن شركات المراهنات تجني ما معدله (4) مليارات ريال في السنة الواحدة.. والسر في ذلك أن بعضها يعمل خارج أطر القانون، ولا تندهش لهذا.. فالجميع يعلم الأثر الذي تتركه المراهنات، حتى أكاد أقول إن من النادر ألا يشترط أحد من المعنيين في المباريات هذا الأمر.. مؤكد أنك تسمع عن المحاكم وما يدور فيها من تهم للاعبين ومدربين وشخصيات نافذة في الأندية والبلاد.
كنت أتساءل: ألم تنتبه الحكومة إلى هذه الظاهرة المستشرية، لتجد علاجاً شافياً لها.. إن المراهنات تتعامل مع سمعة الكرة البرازيلية وهي الرائدة عالمياً في هذا المجال؟ بدأت عام 1946، وقد رافقت مباريات الدوري في نسخته القديمة، قبل أن ينتظم بشكل كامل في عام 1959.. ثم كان الفصل الأكثر إثارة وسط مدينة ساو باولو.. عند واجهة أحد مكاتب المراهنات كان الناس ينتظمون في طوابير.. هنالك ثلاثة منافذ لتسلم الأموال وتثبيت الرهان.. فجأة شهد المكان حركة غير طبيعية.. هناك من أسرع داخل المكتب ليعبث أو يقلـّب في الأوراق، واستدارت الوجوه المنتظمة في الطابور إلى الخلف لتجد قوة من الشرطة وقد أحاطت بالمكان.
لم أفهم ما كان يجري أمامي حتى سحبني صديقي بيريث بعيداً عن المكان، ليقول لي: بين حين وآخر تتحرك الشرطة نحو مكاتب المراهنات، كي تضبط حالة.. ربما تكون هذه الحالة تلاعباً له صلة باعترافات من لاعب أو مدرب أو قطب في نادٍ من الأندية.
كانت الدهشة تتملـّكني وأنا أراقب ما يجري، وبعد الانتظار طويلاً خرج رجال الشرطة ومعهم رجل جاوز الستين من عمره، قيل إنه ارتكب مخالفات فادحة سينتقل صداها في الغد إلى واجهة الصحف البرازيلية.