تمرين في قراءة التجارب الشعرية

ثقافة 2023/12/05
...

 كاظم غيلان 


إن كان الشعر (عملية حفر في الأعماق) حسب ما يرى الشاعر علي عيدان عبد الله، فالكتابة عن التجارب الشعرية حفرٌ آخر، وهذا ما وجدته في ( مقالات في الشعر) للكاتبة فاطمة المحسن والصادر عن دار (سطور) بواقع 320 صفحة من القطع الوسط.

بحثت المحسن في كتابها القيم هذا 24 تجربة لشعراءعراقيبن وعرب وأجانب. 

بعض التجارب كانت قراءة المحسن لها عن قرب، وبعضها الآخر كانت خلاصة لمتابعة برؤية نقدية راصدة بدقة لتحولاتها، ومثل هكذا قراءات يحتاجها الشاعر،ومتابعو نتاجاته لما يشهده اليوم مشهد الشعر من فوضى أسهمت بها، وسائل الانتشار ومجانية الاراء، التي سجلت حضورا مرتبكا أضاع بوصلته مبكرا، لذا نجد في كتاب المحسن هذا ردا واعيا، لافتا لاشتراطات قراءة الشعر.

قدمت الكاتبة لاصدارها هذا باشارات عديدة، تبدأ بابن قتيبة بوصفه" أول ناقد عربي واضح المعالم في منهجه التصنيفي الذي رسم كتابه - الشعر والشعراء- مثلما أشارت للعوائق التي واجهت ثورة الشعر الحر، كما وجدت في "الترجمات الشعرية عن لغات أخرى إحدى وسائل تطعيم صيغ الاجتهاد في النص الشعري العربي"، لتؤكد في ختام تلك المقدمة بأن ماورد فيه كنتاج لاهتمام مر في مرحلة من حياتها الكتابية، الذي غادرته إلى عوالم أكثر رحابة حسبما ترى.

تبدأ أولى كتاباتها عن تجربة الجواهري ( حافظ أختام العربية وآخر الكلاسيكيين)، إذ تناولت مراحل حياته الشعرية الصاخبة بوصفه "بدلالة شعره، يجمع إلى شخصية منشدي الملاحم، صوت خطيب معترض لايهدأ له بال على مسرح الأحداث" ص15.

مثلما تناولت شقا مهما من تجربته عبر ما اسمته "قصيدة الحماس السياسي والتراجيديا المسرحية".

" محمود درويش - رحلة الشعر في متاهة الاسطورة" ذلك مابحثته المحسن في تجربة محمود درويش ص 41 - 54.

أما " ادونيس" منظرا وشاعرا، فذلك مابحثته في تجربة أدونيس عبر نموذجه الشعري ورأيه التنظيري متخذة من كتابه - الصوفية والسوريالية- مبحثا لدراسة تجربته.

إلا أنها وتحت عنوان - شؤون الشعراء وشجونهم- ترى بأن ادونيس هو الشاعر الأبرز في المشهد الثقافي العربي تعرضا إلى الطعون والاستهداف بالنقد والتجريح.

"لعلَّ أنسي الحاج هو أبرز الشعراء المسيحيين، كما نتخيل ,، لا على مستوى الاعتقاد الديني، بل على مستوى اللغة والأداء والصور الشعرية، فقد بدأت الحداثة الشعرية في العالم العربي على ارتباط بالكتاب المقدس وبترجمة رواد عصر النهضة " بهكذا قناعة أو لنقل قراءة للمحسن في ما افردته من صفحات بكتابها عن تجربة " انسي الحاج واناجيله" ص 81 - 88.

عن تجربة (نازك الملائكة) الريادية وماتعرضت له بداياتها خاصة بحثت المحسن لتضعنا بملخص خاتمة ذلك البحث: (كان المثل الأعلى يسكنها، وبحثها في الكمال يقض مضاجعها, لذا اختصرت التواريخ كلها في رحلتها إلى المستقبل، فتاهت عند مفترق طريقها، ولكنها خلفت أثرا لن تمحوه ذاكرة الزمن " ص 93 - 119.

المؤلفة قالت ما يمكنها قوله في تجارب مهمة عديدة كالسياب، فوزي كريم، عبد الوهاب اابياتي, مظفر النواب، سعدي يوسف، نزار قباني، شيركيوبيه كس، عبد القادر الجنابي، محمود البريكان، عباس بيضون وآخرين. 

إلا أنني اخترت ما يمكنني تناوله بقصد الالتفات إلى اهمية الكتاب كواحد من مصادرنا النقدية في راهننا الشعري.