حبيب السامر
ما يدهشنا في الكتابة الجاذبة، مغايرة السائد في مرايا تعكس الرؤية المغلفّة، وكسب رهان حرارة التجديد بفاعلية اختراقه، وكسر التابو المتكرر بمعايير الإبداع، وعدم الانقطاع الجامد بين الوعي المتجسد والمبني على ثيمة التساؤل، ومحو الراكد، والبحث عن أفق يلامس غيمة التجديد.
قد تبدو ذاكرة المألوف أكثر كشفا أمام قلق تحرير اللغة وانتزاعها بمحمولات إدراكية في ممارسة الراهن، وتحريره من سلطة التكرار، كي تستطيع أن ترسم إنموذجا متحررا من الأمراض المنتشرة والمستشرية في واقعنا الثقافي وأزماته التي تحتاج إلى حوارات فكرية تتطلب تضحيات جمة لتحقيق الفرادة ونبذ الهيمنة الضاغطة بمحاولات تتفاعل مع تحديد الهوية الجديدة، التي تلزم وقوف أقطاب الصراع على مسافة مهمة من أجل بسط ارتباطها بنماذج التجاوز لسجن اللغة المتكرر في حيز محدود، وفرض أطر حديدية كي لا تتحرر من هذه المحددات، تحتاج إلى اعتماد الأفق الأرحب لتنطلق بأجنحة ملونة دون عودة النظر إلى تلك الممارسات التي حجمّت هوية الانطلاق والانفتاح نحو فضاء واسع يستوعب تلك الأجنحة وما يليها من سرب التحرر في طيران مختلف دون أدنى وازع في شق سماء الكتابة بلغة مغايرة لا تحدد سمة الطيران وشغف التحليق وكشف هامش سر تحقيق المعنى الناجز المرتبط بوعي القارئ وانجرافه إلى فك شفرات الكتابة وتحويلها إلى عوالم مرئية وتجارب معيشة للوصول إلى كشوفات ناعمة لحكايات تتجدد في عوالم المعرفة وهي تفضي إلى لا نهائية الوصول وتكاثر نتائجها وفق نظرية مد البصر نحو الأجمل دون الانحسار في مدار محصور وراكد.
على الرغم من الرهان الدائم على صبر القارئ ولهفته في تناول الجديد، وفتح خزائن الحكايات التي لا تنتهي مع تقادم الزمن، بل تتكاثر وتنمو وتسمو في عيون المتلقي اللهوف والشغوف، وتتكرر بمساحات ملونة تتعاضد مع أحلام الكتّاب وتجاربهم الحياتية وتأويلاتهم التي لا تنقطع من خلال ما يصدر من مخطوطات تشكّل عوالمهم الساحرة في تفكيك بؤرة الحزن والمستور وتجسيدها في قواميسهم ومدوناتهم، لكي تستمر الحياة بتقليب أوراق المنجز والوقوف على سر تكويناتهم وكينوناتهم التي لا تنقطع.
من هنا ونحن نتابع حركة المرايا وهي تلمع ببوارق النصوص وهفهفة الفراشات، تظهر في البعد حركة أيائل وبعض غابات وأنهار صافية، فيما يجلس الكاتب على ضفة النهر الصغير يراقب حركة النجوم ويصافح بياض القمر وهو يدون آخر التماعة في صفحات الماء لنجمة الكتابة، وهي تتناوب مع حركة النهر لتصل إليه بلغة صافية يتناول - الكاتب- منها ليسقي بساتين نصه ويمسح على وريقات الأشجار المحاذية، لتنعم بحياة هادئة تحت سقف التنوع.
يعتمد توهج النص على مرتكزات مهمة تتضح فيه إجابات غير مرئية لبنية سؤال ينمو مع اللذة المتتالية في المعنى لتتحقق نتائجها مع اللحظة الواقدة في فهم غايات الكاتب وكشف زاوية التأثر في المكان والحدث ضمن خاصية الخوض في امتدادات الزمان لوضع مجموعة مفاتيح بيد المتلقي ليدخل من أبواب متعددة.