إنجازٌ بلا ضجيج

الصفحة الاخيرة 2023/12/11
...

عبد الهادي مهودر

كنا نسمع بنظام (التكسي) المتطور في عواصم العالم ومدنه الكبيرة، وكيف يمكن طلب هذه الخدمة من المنزل والهاتف الشخصي ومراقبة وصولها من نقطة الانطلاق حتى المكان المقصود، ونقارنه بنظام التكسي العراقي المتخلّف، الذي عاش تجربة العمل بالعدّاد التي لم تعمّر طويلاً، لكنَّ القطاع الخاص في العراق سبق القطاع الحكومي هذه المرة بتوفير هذه الخدمة التي كانت بمستوى الحلم البعيد المنال، ولو بقي تحقيقه معقوداً على القطاع العام لطال الانتظار وما كان ليتحقق بهذه السرعة، ومن محاسن القطاع الخاص ترك إنجازاته تتحدث عن نفسها بنفسها من دون تلاوة (جنجلوتية) الإنجاز الذي لا يتمّ لولا قص الشريط والحجر الأساس ورعاية وعناية وعطف وحكمة وحنكة معالي الوزير، ويُحسب للقطاع الخاص نقل هذه التجربة العالميَّة الناجحة وتطبيقها في بغداد والمحافظات باحترامٍ أكثر وأجورٍ أقل وتوقيتات دقيقة ودرجة أمانٍ عالية، وبخدمة تستجيب لطلبك عبر الهاتف الشخصي والتطبيق الالكتروني الخاص، وقد أصبحت شركات النقل الأهليَّة القليلة قريبة من الناس ومصدر ثقتهم، وبعد تجربة سريعة حققت نجاحاً غير متوقعٍ وسط فوضى النقل والافتقار الى وسائل نقل حكوميَّة آمنة وملتزمة بالمواعيد.
إنَّ وسائل النقل المتطورة في العالم تكشف بالدرجة الأساس عن احترام الدولة لعامل الزمن وتدريبٍ لشعوبها على أهمية احترام الوقت بالدقيقة والثانية، قبل أنْ تكون مظاهر حضاريَّة ومدنيَّة، وما الساعات التي توضع في أعلى البنايات ووسط ساحات المدن إلا دلالة على احترام الوقت وليس مجرد مناظر جماليَّة، ولذلك تدق ساعة (بغ بن) منذ أكثر من قرنٍ ونصف القرن فوق مبنى البرلمان البريطاني ويسمعها ركاب (تكسي لندن) وكل سكان عاصمة الضباب، وساعات شهيرة مماثلة في عواصم ومدن العالم الأخرى، ولذلك أيضاً ترى العديد من الساعات عاطلة في كثيرٍ من الدول التي لا تحترم الوقت، في مؤشرٍ يكشف عن عدم احترام المواطن ووعود الإنجاز المقطوعة، فإذا رأيت ساعات مدينتك عاطلة فاعلم أنَّ وقتك ليس من ذهب وأنَّ كل وعود الإنجاز سقوفها الزمنيَّة مفتوحة، وأنَّ معاملتك يمكن أنْ تتأخر أضعاف الوقت المخصص لإنجازها وأنَّ الموظف المكلّف لا يحترم وقوفك ولا يقدّر وقتك الثمين ويمكن أنْ يتركك في الطابور حتى نهاية الدوام ثم يختبر صبرك بعبارة (تعال باچر).
وإذا كنا نُشيد بنجاح تجربة (تكسي القطاع الخاص) فهذا النجاح يبقى محصوراً بأسماء الشركات، والعراقيون يطمحون الى رؤية قطاع النقل الحكومي حياً يرزق يعبّر عن وجود الدولة وحضورها بحافلات وتكسي تحمل اسم الوزارة والدولة تنظّم للمواطنين أوقاتهم وتعلّم الناس معنى دقة توقيت الانطلاق والوصول، ومعنى وكلفة فوات الأوان وعدم احترام الزمن.