حسب الشيخ جعفر قاصّاً

ثقافة 2023/12/12
...

 ريسان الخزعلي


(1)

في تجربة الكتابة النثريّة، أصدر الشاعر حسب الشيخ جعفر، خمسة كتب: رماد الدرويش – مذكرات، الريح تمحو والرمال تتذكّر – مذكرات، نينا بتروفنا – رواية، ربّما هي رقصة لاغير – رواية، آخر امرأة على الأرض – قصص. 

 كانت الروايتان، كموضوعات، أقرب لما جاء في كتابيّ المذكرات، إذ أن التجربة الروسية هي الشاغل الحياتي/ الإبداعي الأول، سواء كان ذلك في المذكرات أو الروايات. وفي كلا اللونين تكون الحسيّة الشعرية هي المناخ الأكثر دفئاً، ولا غرابة في ذلك، كون التشكيل الشعريّ في تجربة حسب الشيخ جعفر، كان التأسيس والتأصيل في هذه التجربة؛ وقد يصحُّ القول، بأن الكثير مما جاء في هذه الأعمال، ما هو إلّا قصائد ضلّت طريقها إلى الرواية والمذكرات.


(2)

آخرُ امرأة على الأرض، مجموعة قصصية، وهي آخر أعماله النثرية، حملتْ تسلسلات قصديّة (1 – 31) تُشير إلى تتابع المشاهد التي رصدها (القاص) ذاكراتيّاً في مُدنٍ مرَّ بها، رصدها متحسّراً على أوقات لم يمسك منها - بعد حين - إلّا بعض ظلال:  وبعدئذ كنت ُ أسيرُ طويلاً في الشارع الجانبي.. كنتُ آملاً انفتاحة نافذة أو باب.. فلقد أرى وجهها البهي الجميل. ولم تُفتح أية نافذة.. ولم يُفتح أيّ باب.. ولقد كنتُ أحلمُ بالطبع.. وكأن الحياة لم تكن إلّا حلماً أو عرضاً أشبه بالحلم.. آهٍ من تطأول الليل ووقع المطر وأنينِ الرياح!..، هذا هو المفتتح الاستهلالي للمجموعة، والذي  يكشف عن الحسرات المتراكمة، والوضع الحلمي الذي عاشهُ الشاعر/ القاص على مدى سنوات حياته.


(3)

في هذه  القصص، لم نجد سوى حواراتٍ بين رجل وامرأة، الرجل هو (الشاعر/ القاص)..، والمرأة تأخذ توصيفاتٍ عدّة، غير أنها المرأة ذاتها، المرأة الحلمية (آخر امرأة على الأرض).  وفي كل القصص يكون القاص هو المبادر بالحوار حين يصادفها في شارع أو حديقة أو متحف أو مطعم أو نادٍ ليلي.. إلخ. يبادرها بعد أن يرصدها ويقترب منها متسللاً إلى هدوئها ووحدتها، أو من خلال اتصال هاتفي افتراضي:

- هل يمكنني الجلوس إلى جانبك؟ المصاطب الأخرى في أوجّ ازدحامها كما ترين.

- أنا لم ألصق على المصطبة ورق تقول: الجلوس ممنوع.. كما ترى!

- أنا في انتظار جواز سفري من المكتب المجأور.. وإنّه لوقت ثقيل، ولا أيّ مقهى في هذا الممر الأصفر الطويل.

- أنا أيضاً في انتظار جواز سفري.

- أنا في الطريق إلى أوسلو

- أأنتِ نرويجية؟

- كلّا.. أنا من السويد بلاد الشمس الباردة.

وأنا من بلاد الشمس اللاهبة.. من البادية العربية.. من بغداد.

......،

في الحوارات، تكون محأولات استدراج المرأة من قبَل القاص واضحة، وهي محأولات لأن ينفرد بها في مكانٍ آمنٍ (لايسع إلّا إثنين)..، وهذا  خيط (ايروسي/ روسي)  مازال عالقاً في شجرة التجربة الأولى، خيط من رماد الدرويش.


(4)

اللافت، أنَّ المرأة التي يحأورها القاص في هذه القصص، امرأة مثقّفة، قارئة للأدب وعارفة بالفنون التشكيليّة ومتذوّقة للموسيقى، وتكاد تضاهي ثقافته الذي عكسها لها أيضاً. من هنا يتعزز الانطباع ثانيةً بأنها امرأة واحدة  لاغير، امرأة حلميّة/ متخيّلة/ متمنّاة، بل هي (آخر امرأة على الأرض) كما يفترِضها:

- كتبَ (سترند بيرغ) شيئاً عن هذه الشخصيّة الكوميدية (أبو القاسم الطنبوري).. متخيّلاً الشرق العربي عالماً فنتازياً.

- واضح أنّكَ تعرف الكاتب السويدي معرفة جيدة، ما دمتَ قرأت هذه المسرحيّة (المغمورة) مقارنةً بأعماله الشهيرة.

- لا أعرفُ كاتباً مسرحياً أوربياً، بعد التراجيديا الإغريقية وشكسبير، يمكن أن يعلو إلى مستوى قامته غير (إبسن) وتشيخوف.

- ولماذا هذان.. لاغير؟ كان القرن التاسع عشر مائجاً بالفعل المسرحي، وكذلك النصف الأول من القرن العشرين.

- كان إبسن أبرع مَن انعطفَ بالمسرح من الواقعية إلى الرمزية.

- كان سترند بيرغ واقعياً أيضاً في الكتابات الأولى.

ألم أقل بأن القصص في (آخر امرأة على الأرض) ماهي إلّا حوارات بين رجل وامرأة..؟

الرجل، هو الشاعر حسب الشيخ جعفر، والمرأة، هي امرأة مفترضة تمنّاها أن تكون مثقّفة كتعويض عن علاقات عابرة  تفتقد ما يُجانسهُ في المشترك الروحي/ الإبداعي..، ولهذا كانت 

(آخر امرأة على الأرض).