مهند هوّاز: أسعى إلى تقديم تراث العراق وفنونه للعالم

ثقافة 2023/12/12
...

 حاوره: حسن جوان

ابتدأ مبكراً مع فعاليات النشاط المدرسي في مدينة الموصل، وكان أول مدرب تتلمذ على يديه هو أحمد الجميلي. نما في تلك السنوات الغضة إعجابه بالفرقة القومية للفنون الشعبيية، ليمضي في هذا المشوار متتبعاً عناية الفنانة هناء عبد الله، ثم انتمى إلى نقابة الفنانين فرع الموصل مسهماً لسنوات في أداء عروض بصفة راقص، ضمن مهرجانات المحافظة السنوية، تدرب في غضون ذلك على التمثيل المسرحي ودرس الموسيقى. شكل عرض الليلة الموصلية الذي عرض في مهرجان بابل نقطة انطلاق نحو أعمال أخرى خارج مدينته.

يتبنى رؤية تعدد الثقافات وثرائها بحسب نشأته في مدينة كانت ابرز صفاتها التعدد والتنوع.

توج مسيرته بتأسيس فرقة إنكيدو للفنون، التي أحيت مناسبات عدة حول العالم كان اخرها عرضه الحافل لمناسبة اليوم الوطني العراقي في باريس. 

فازت فرقته " انكيدو المستوحاة من التراث الشعبي العراقي" بجائزة شنغهاي الدولية كاجمل عرض يقدم في المهرجان.

تأسست فرقته في العام 2010 واستمرت في مشاركات دولية لمساحة تجاوزت أربعين دولة حول العالم، حاملا معه اسم التراث العراقي، وفنون الرقص فيه من شماله إلى جنوبه. 

كما دأب على القاء محاضرات بناء على دعوات من ذات العدد من الدول التي تحتضن عروضه، للتدريس والتعريف بالارث الثقافي العراقي وتنوعه.

زار العراق مؤخرا لدراسة وتسجيل العديد من ملاحظاته للاستزادة من تخصصه، فقام بتغطية شاملة لأبرز المدن العراقية، مسجلا ما يستجد وما يتطور وأيضا ما قد يضمحل ضمن عجلة التطور والانفتاح غير المنضبط. 

تواصلنا معه فكان هذا الحوار الخاص بـ " الصباح":


* لنبدأ من محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل حيث النشأة والتأثرات في وسط طيف واسع من التنوع الاثني والعقائدي وما يحمله هذا التنوع من ميراث ملهم.

ما الأثر الذي تركته فيك هذه النشأة؟

- اذا تجاوزنا الثقل الحضاري والتاريخي لهذه المدينة التي ولدت ونشأت فيها، فلا بد من الوقوف على ما اشرت اليه من تنوع ثقافي وعرقي وامتزاج جميل تربينا عليه.

وهذا كله كان عامل استلهام كبيرا بالنسبة لي، لا سيما في سنوات طفولتي المبكرة، وبداية شغفي بفنون الرقص، بعدما كنت أشاهد المناسبات والاحتفالات والاعياد وما يتخللها من أزياء مختلفة وتعبيرات لكل فئة، بحسب تقاليدها ومواريثها وطرقها في التعبير. 

إضف إلى ذلك مشاركتي المبكرة في النشاط المدرسي في عروض دائمة، حيث لا انسى فضل أساتذتي في تدريبي في مراحلي الأولى واللاحقة، حيث كنت محظوظاً بهؤلاء المعلمين الآباء الأوائل، الذي صقلوا موهبتي ووضعوني على الطريق الصحيح. 


* ما هي أهم محطات حياتك وكيف تبلورت لديك فكرة  انشاء فرقة خاصة بك بمسمى عراقي تاريخي، رغم انك أسست لهذه الفرقة في السويد بعد هجرتك إليها بشكل دائم؟

- هذا السؤال مركب، لكنه متصل بطريقة منطقية.

لم ينقطع تدريبي ومشاركاتي طوال فتراتي الدراسية ضمن النشاط المدرسي المعتاد، لكن أطول  فترة قضيتها في المشاركات كانت بعد انضمامي إلى نقابة الفنانين فرع الموصل، حيث قضيت سنوات في هذا العمل، وقدمت عروضاً كثيرة في مناسبات المحافظة السنوية وغيرها، لكن النقلة الواسعة كانت حينما اشتركنا في مهرجان بابل آنذاك، حيث قدمنا عرضاً كبيراً اسمه الليلة الموصلية، وبمساحة واسعة كان لها الأثر الواضح في النجاحات التي تحققت.

اما النقلة الثانية والمتعلقة بتأسيس فرقة إنكيدو في السويد بعد هجرتي القسرية على اثر ظروف البلد من حروب وظروف قاهرة في وقتها.

 

* هل لك ان تضيء لنا هذه المرحلة وما هي ظروفها؟

- نعم.. لقد وصلت إلى دولة السويد في العام 2007 في ظروف صعبة، لكنني كنت متفائلاً، لأنني كنت محملا بحب الحياة وبهدف واضح، فقررت أن أستقر هناك، وأدرس المادة، التي أحب أن اتخصص فيها، فقد واجهتني عقبة اللغة أولا، لكنني تجاوزتها بدخولي مدرسة تمهيدية أولا، لاتمكن من التواصل والدخول إلى مدرسة الرقص المسرحي الحديث، وهكذا درست وتخرجت من هذه المدرسة ولا أنكر انها أضافت لي الكثير في حياتي المهنية. 

بعدها وفي حين كنت أتابع العروض المختلفة، التي كانت تقدم هناك، لاحظت غيابا أو عدم تضمن التراث العراقي والعربي في تلك العروض، في الوقت الذي كان العراق يمر بأوقات صعبة للغاية، ومن هنا وبدافع من حبي الكبير العراق واعتزازي بهويتي، قررت في العام 2010 أن أؤسس فرقة انكيدو المستوحاة في التراث الشعبي العراقي للحفاظ على هذا التراث وسط تلك الظروف، التي كانت تهدد بزواله أو اندثاره، وفي الوقت نفسه، من اجل إعطاء صورة للآخر الغربي عن تراثنا وتقاليدنا، وحدث أن تقبل المجتمع السويدي، الذي هو مجتمع مثقف بامتياز فكرة الفرقة وتفاعل معها بشغف، نظرا لحب هذه المجتمع للثقافات الأخرى ورغبته في صناعة الجمال، كما انضمت إلى الفرقة الكثيرات من الراقصات من ذوات الشهادات هناك، وكن داعمات ومتفاعلات بشكل

ملفت. 

وهنا لا بد لي أن اشير إلى الدور الكبير الذي لعبته استاذتي ومعلمتي الفنانة هناء عبد الله في مرحلة التأسيس تلك، حيث وجهت لها الدعوة للحضور إلى دولة السويد، من أجل دعمي بخبرتها الكبيرة في تأسيس هذه الفرقة وتدريبها وإدارتها، وتصميم الأزياء المشابهة للفرقة العراقية، وعلى أسس هي الأسس ذاتها التي بنيت عليها الفرقة القومية العراقية، التي هي أحدى مؤسساتها 

أيضا. 

وهكذا قدمنا أول عروضنا الناجحة في دار الاوبرا في السويد، وتم تكريمنا والاحتفاء بنا بشكل كبير وهكذا كانت الانطلاقة ..


* أنتم الآن فرقة انكيدو تعدون فرقة متخصصة في الفنون والتراث العراقي، هل استمرت عروضكم خارج السويد، وكيف وجدتم استجابة الجمهور في غير أوساط وثقافات؟

- بعد انطلاقة الفرقة بنجاح داخل السويد جاءتني فكرة نشر التراث العراقي ورسالته الثقافية في كل انحاء العالم، من خلال فرقتي ومن خلال المحاضرات، التي كنت أقدمها بشكل مستمر، فكان إن سافرنا إلى الصين لحضور مهرجان دولي مقام هناك تحت اسم مهرجان شنغهاي للفنون الشعبية بمشاركة 25 فرقة عالمية، فحصلت فرقة انكيدو المستوحاة من التراث الشعبي العراقي على الجائزة الأولى لأجمل عرض يقدم في المهرجان. 

وهكذا توالت الدعوات التي تلقيناها لحضور مهرجانات في مختلف بلدان العالم وتكررت الدعوات لي شخصيا للمزيد من القاء المحاضرات المتخصصة في الرقص الشعبي العراقي، وحاليا أنا اقدم محاضرات في هذا المجال لاكثر من 42 دولة حول العالم، ولك أن تتخيل عدد الأشخاص من غير العراقيين، الذين يقبلون بشكل  وبأعداد هائلة على درس الفنون الشعبية العراقية.

وأنا فخور بأنني نجحت في إيصال هذه الصورة والفنون عن بلدي.


* كيف تقارن بين الرقص وبين بقية الفنون من الأهمية أو الترا تبية أو التكاملية، وهل يمكن التعويل عليه في نقل رسالة كما تفضلت في ما يخص التعريف بتراث وحضارة بلد ما؟

- الرقص لغة عالمية تواصلية إنسانية له القدرة على الوصول إلى جميع الناس على مختلف لغاتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وأشير إلى شطر سؤالك إلى أن الرقص يعدُّ أحد الطرق الأصيلة في التعبير، وقد سبق الشعر وربما اللغة والكلام، وواكب البشرية من بداياتها، كما وواكب الطفل والكبير والشعوب والأمم. 

وبخصوص إيصال الرسالة أقول نعم وبكل تأكيد لا من خلال المحاضرات المباشرة فحسب، بل من خلال التحليل للقصة والحركة والموسيقى ودلالات كثيرة، يمكن للدراسات الثقافية الإشارة إليها، وكذلك يمكن تلقيها في الوقت نفسه، من دون وسائط من قبل الناس العاديين.


* ما دمنا نتفق على هذه الرؤى والتصورات ومصاحبة الرقص للإنسان في فطرته السليمة أو في فعالياته الاحتفالية والطقوسية والمناسباتية، إذًا هو يتجاوز احياناً نحو تشكيل هوية للشعوب أو الجماعات أيضا، وهو محمل بشحنات خاصة تعبيرية قابلة للفهم. 

كيف تقرأ بدورك التعبير الذي يتضمنه الرقص العراقي، سواء بنماذجه القديمة أو الحديثة؟

- نعم أتفق معك في كل ذلك إضافة إلى الإشارة إلى أن الرقص هو أحد أرقى وسائل التعبير والتواصل كذلك، نعم في ما يتعلق بالرقص العراقي القديم والحديث، أود القول بأنني أحب الرقصات العراقية التراثية، لكن أؤكد إعجابي بالتطور الحادث الآن في الرقص، لكن بشرط الالتزام بطرحه بطريقة مناسبة ولدي على سبيل المثال في فرقتنا لوحة الرحى، التي صممها الفنان عادل لعيبي، والرحى هي رمز وأداة موجودة في كل مكان من العالم، لكن لكل مكان يحمل طريقة في التعاطي وأيضا في الرمزية، رغم أن طريقة الطحن هي ذاتها. 

لكن رحى جنوب العراق غيرها رحى قرية أخرى في شمال العراق، فرحى الجنوب يصحبها نعي النساء وحزنهن بينما رحى الشمال-على سبيل المثال – تغني وتنشد. 

اما ما  يخص الحركات في الرقص الشعبي فكل حركة تدل على مسالة أو ثيمة أو معنى والرقص  العراقي، هو مثال كبير على الغنى والتنوع ومليء بالقصص المستوحاة والتاريخ.

 

* كيف تنظر إلى رقص الغجر وغيره من الرقصات الشائعة اليوم؟

- كنت اشرت إلى انني مع التطوير الحاصل في طبيعة الرقص العراقي لكنني أود أن أؤكد إلى أن التطوير السليم شيء وما يحصل من فوضى بعض الأحيان في أماكن مثل الملاهي وامثال هذه الأماكن، ولا أعتبر هذا رقصاً في الأساس، حتى على ذكر الغجر، لقد كنت أحضر في صغري كثير من حفلات الغجر، واستمتع برقصهم البسيط، والمتوازن دون إسراف فلم يكن فيه ما نشاهده اليوم من تدن، كالذي يشيع اليوم من هذا التدني في الأزياء والحركات التي أقول بصراحة أنني لا أحب النظر إليه مطلقاً.


* احييتم احتفالية كبرى مؤخراً في باريس لمناسبة العيد الوطني العراقي، هل تتحدث لنا عن هذه الليلة؟

- أحد عروضنا الكبيرة كانت بمناسبة اليوم الوطني العراقي وانتماء العراق إلى منظمة اليونيسكو قبل 72 سنة.

وقد وجهت إلينا دعوة رسمية من قبل وزارة الثقافة والسفارة العراقية في باريس، وكان شرفا لنا أن نمثل العراق في هكذا مناسبة ومحفل كبير بحضور ممثلي السفارة ووزارة الثقافة العراقية، وبجانب الموسيقار علاء مجيد، والموسيقار الأستاذ نصير شمة، وقد قدمنا ليلة من التراث بلوحات ورقصات، شعبية تمثل العراق من زاخو إلى البصرة.


* يعتبر الجمال هو المضاد الحيوي ضد القبح، وبما أنك تشهد نجاحات متتالية في نشر هذا الجمال عالميا، هل هناك أمل أو طموح لديك لتوأمة فرقة انكيدو، من خلال تأسيس فرقة مماثلة في بلدك العراق؟

- لا أخفي عليك هذا الحلم طالما راودني بأن أفتتح فرعا لفرقة انكيدو المستوحاة من التراث الشعبي العراقي في مدينة بغداد.

مثل هذا الحلم أنا واثق أنه سيزيدني شرفا وشغفا، لأنني حينما أسست الفرقة في العام 2007 كان هدفها الأول هو الحفاظ على التراث الشعبي العراقي، وإعطاء صورة للعالم عن بلدي وتقاليده وثقافاته وتنوعه في وقت كانت الصورة النمطية الشائعة في كل انحاء العالم لا تتعدى صورة الحرب والدمار، وما يحمله الإعلام من صور مجتزأة تسيء إلى بلد عميق وكبير مثل العراق.

لذلك كنت أعمل جاهدا على نشر الصورة المغايرة، التي تعبر عن هذا التنوع والثقافات وأيضا من خلال الرقص الذي هو قوة تعبيرية جمالية، استطعنا أن نحقق الكثير في إيصال التصورات المناسبة لمختلف شعوب العالم.