ماذا بعد أن تعهدت إسرائيل بتدمير حماس ؟

قضايا عربية ودولية 2023/12/12
...

 لوفداي موريس

 ترجمة: أنيس الصفار         

برغم فتح إسرائيل جبهة جديدة صوب الجنوب في حرب غزة، فإنها لا تزال بعيدة عن بلوغ هدفها العسكري المعلن، وهو التدمير الكامل لحركة حماس التي تحكم هذا القطاع، وكانت رأس الحربة في هجوم 7 تشرين الأول على جنوب إسرائيل. قتل حتى الآن 5 آلاف عنصر من حماس في الأقل، بحسب ادعاء ثلاثة مسؤولي أمن إسرائيليين، ومعنى هذا أن أغلب عناصر الجناح العسكري للحركة، الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألف مقاتل، باقون كما هم.

اشترط المسؤولون الإسرائيليون على صحيفة “واشنطن بوست” عدم ذكر أسمائهم قبل الخوض في تفاصيل تتعلق بالعمليات العسكرية الجارية والتفاصيل التي لم تخرج إلى العلن.

العمليات في شمال القطاع لا تزال بعيدة عن الاكتمال هي الأخرى. فرغم أن معظم مدينة غزة قد سوي بالأرض بفعل الغارات الجوية، لا يزال على القوات البرية الوصول إلى بعض معاقل حماس الرئيسية هناك.

يقول المقدم “ريتشارد هيشت” المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “هذه المهمة ستكون طويلة، ونحن بحاجة إلى الوقت.” مقراً بأن الساعة الدبلوماسية أخذت تضيق الفسحة الزمنية.

من المرجح أن تؤثر الضغوط الدولية لخفض أعداد القتلى المدنيين، في وتيرة العمليات في الجنوب، إذ تحاول إسرائيل الاحتفاظ بدعم الولايات المتحدة  داعمها الرئيسي. 

الكلفة منذ الآن باهظة بالفعل، إذ تجاوزت أعداد قتلى الفلسطينيين 17 ألفاً بينهم أكثر من 5 آلاف طفل، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر قال الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”: “أعتقد بأننا قد وصلنا إلى اللحظة التي تملي على السلطات الإسرائيلية أن تحدد بشكل أكثر وضوحاً ما هو هدفها النهائي .. هل هو التدمير التام لحماس؟ هل هناك من يتصور أن هذا بالإمكان؟ إن يكن هذا هو الهدف المطلوب فسوف تستمر الحرب عشر سنوات إذن”.


بالنسبة للأرض

لا يزال ثلث مدينة غزة تقريباً خارج سيطرة القوات الإسرائيلية، بما في ذلك مناطق يعتقد أنها ستكون شديدة التحصين، كما يقول “مايكل ملشتاين” الرئيس السابق لشعبة فلسطين في وكالة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

خلال فترة توقف العمليات القتالية الأخيرة، ظهر عشرات من المقاتلين المسلحين الفلسطينيين الذين يغطون وجوههم بالأقنعة في ساحة رئيسية من المدينة لتسليم المحتجزين، في إشارة إلى استمرار وجود الجماعة في المدينة التي كانت تعد ذات يوم أكبر مدن القطاع.

كل ما فعله الجيش الإسرائيلي حتى الآن هو الالتفاف حول معاقل حماس العسكرية المشخصة هناك، بما في ذلك حي الشجاعية الذي دارت فيه بعض أشد المعارك عنفاً خلال عملية “الرصاص المصبوب” في العام 2014 وحيث يحتمل أن تكون حماس قد تخندقت وتجهزت واستعدت للقتال.

 يقول ملشتاين عن المعركة المتوقعة في هذه المنطقة: “ستكون معركة بالغة العنف، لأن حماس قد استعدت هناك فعلا بكل ما لديها من بنى تحتية”.

لم تظهر في صور الأقمار الاصطناعية التي التقطتها شركة “بلانيت لابز” يوم الخميس السابق لانتهاء فترة التوقف المؤقت للقتال، دلائل ملحوظة على أي تواجد إسرائيلي حول حيي الشجاعية أو جباليا، وهو حي آخر من أحياء المنطقة الشرقية. بيد أن المنطقتين غدتا هدفاً للقصف المركز والغارات الجوية منذ استئناف القتال في أواخر الأسبوع الماضي، ويقول الجيش الإسرائيلي إنه نفذ عملية اقتحام في حي جباليا يوم الاثنين، بعد أن أكمل تطويق مخيم اللاجئين هناك.

يقول “مايكل هوروتز” رئيس شعبة الاستخبارات في شركة “لي بيك انترناشنال” لتقدير المخاطر: “المعركة الأشد ضراوة ربما لا تزال أمأمنا.” ويمضي مبيناً أن حماس كما يبدو قد تحاشت المواجهات المباشرة حتى الآن، لكنها متى ما حشرت في الزاوية فسوف تقاتل”.

برغم تركيز إسرائيل الحالي على دك الجزء الجنوبي من غزة بالقصف الجوي، وتعاظم أعداد الضحايا، فإن الضغط الدولي سيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي تكرار ستراتيجيته التي طبقها في الجزء الشمالي على المدى الطويل، وعندئذ يرجح أن تتركز حملته أكثر على الاقتحام وعمليات مكافحة التمرد. ثم يمضي هوروتز مضيفاً: “سوف تكون هناك على الأرجح حملة لمكافحة التمرد بشكل من الأشكال منخفضة المستوى خلال الأشهر المقبلة”.

ردد أحد مسؤولي الأمن الإسرائيليين هذا التقييم بقوله: “عملياتنا ستكون مختلفة جداً عن الطريقة التي اتبعناها في مدينة غزة بسبب شدة الاكتظاظ”.


بالنسبة للمقاتلين

يعترف مسؤولو الأمن الإسرائيليون بأن الرقم 5 آلاف، وهم المقاتلون الفلسطينيون الذين اعتبروا في عداد القتلى، هو مجرد تقدير. ويقول أحد هؤلاء المسؤولين: “نحن نعمل على تحليل هذه المعلومة في محاولة لمعرفة عدد الذين قتلوا وأين حدث ذلك”.

تزيد الإحصاء تعقيداً حقيقة أن كثيراً من المقاتلين قد لقوا مصرعهم كما يعتقد في أنفاق تحت الأرض. ويضيف المسؤول أن التقديرات الإسرائيلية تستند في جانب منها إلى التنصت على تقديرات حماس نفسها.

أما مسؤولو حماس فلم يعلنوا أي أرقام تتعلق بقتلاهم في الحرب، كما امتنعوا عن التعليق على هذا المقال. يقول هوروتز: “لا يبقى أمامنا سوى مصدر واحد، وهذا المصدر هو الجيش الإسرائيلي الذي ينحو بطرق عديدة إلى رفع تلك الأرقام”.

من المعتقد أن لدى حماس عدداً يتراوح بين 27 و40 ألف مقاتل، ويقول المحللون إنهم قادرون بسهولة أيضاً على تجنيد المزيد. بيد أن إسرائيل لا يهمها العدد الإجمالي للعناصر المقاتلة بقدر ما يهمها القضاء على قيادات حماس، وبشكل خاص يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة الذي يتحدث الجيش الإسرائيلي عن مقتله باعتباره أمراً محتوماً.

لهذا السبب خصص الجيش الإسرائيلي قدراً كبيراً من جهده الاستخباري لتحديد مكان تواجد السنوار وغيره من القادة الرئيسيين، مثل محمد ضيف قائد الجناح العسكري لحماس. 

يقول “إيال حولاتا” الذي كان إلى وقت قريب من هذا العام رئيساً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “هذه الحرب يمكن أن تغير صيغها كما يمكن أن تكون على مستويات متفاوتة الشدة، ولكننا سوف نواصلها إلى أن نتمكن منهم”.


بالنسبة للأنفاق

من المعتقد أن لدى حماس مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تمتد وتتعرج تحت أرض غزة، وهذه الأنفاق من أهم أرصدتهم العسكرية وأشدها حيوية، لأنها تسمح للحركة بنقل الأسلحة والمقاتلين من دون أن يلحظهم أحد.

يقول هوروتز: “أحد أهداف إسرائيل هو الوصول إلى مواقع الأنفاق”، مشيراً إلى أن شبكة الأنفاق تحت الأرض لن يكون من السهل ترميمها أو إبدالها في خضم المعركة.

يقدر المسؤولون العسكريون عدد فتحات الأنفاق المكتشفة حتى الآن بنحو 800 نفق، تم تدمير 500 نفق منها، بيد أن هؤلاء المسؤولين امتنعوا عن التعليق على التقارير القائلة إن هناك خطة قيد النظر باستخدام مضخات لإغراق الأنفاق بمياه البحر.

يمضي هوروتز موضحاً أن من الصعب قياس مدى التأثير الذي تمكنت إسرائيل من أحداثه في نظام الأنفاق إجمالاً، ويقول: “نحن لا نعلم كم فتحة هناك لكل نفق”.

قد يكون بعض الأنفاق صغيراً معداً لتنفيذ هجمة واحدة، ولكن بعضها الآخر قد يكون على عمق عشرات الأمتار ومتصلاً بشبكات أوسع. بعد كل هذا يقدر هوروتز أن ما يقارب ثلث نظام الأنفاق في غزة لا يزال سليماً لم يمس.


بالنسبة للصواريخ

رغم شهرين من القتال الشديد لا تزال حماس قادرة على إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل، إذ أطلقت عدة رشقات منها مؤخراً صوب جنوب إسرائيل، أصاب أحدها بناية سكنية في مدينة عسقلان. 

بيد أن صوت صفارات الإنذار لم يعد يسمع بنفس التكرار خلال الأسابيع الأخيرة في المدن الأبعد مثل تل أبيب، كما أن أعداد الصواريخ المنطلقة من غزة قد انخفضت، من الآلاف في اليوم الواحد إلى العشرات. 

قبل الحرب كانت المخابرات الإسرائيلية تقدر أن لدى حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة ترسانة تصل إلى 30 ألف صاروخ، وتقول السلطات الإسرائيلية إن الحركة قد أطلقت أكثر من 11500 صاروخ منها صوب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول.

سيكون من الصعب على إسرائيل تدمير قدرات حماس الصاروخية تدميراً كلياً، لأن الكثير منها ينتج محلياً، كما يقول هوروتز، ويضيف: “عليك أولاً أن تجد مصانع الصواريخ وتربك تدفق المواد المطلوبة إليها، وهذا سوف يستغرق زمناً طويلاً بالفعل. بلوغ ذلك اليوم الذي تصبح قدرة حماس فيه على إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل صفراً مسألة صعبة التحقق”.


عن صحيفة «واشنطن بوست»