أفكار في النقد الأدبي

ثقافة 2023/12/13
...

 جاكلين سلام

الكتابات العظيمة معجزات صغيرة ونادرة وبلا آلهة ولا أتباع بل عشاق الكشف والمشاركة في المغامرة.. لماذا يكثر بعض الكتاب من استعراض الأسماء الشهيرة والمعروفة عالميا في رواياتهم؟ الكاتب الروسي دوستويفسكي لم يحشر أسماء الفلاسفة والكتاب العالميين والمفكرين في رواياته كي يقنعنا بأنه كاتب مثقف وقارئ كبير. والرواية لا تحتمل استعراض أسماء الكتاب الكبار دون معالجة مقولاتهم وتوظيفها في السرد.
مجرد ذكر تشيخوف وشوبنهاور وسوزان برنارد ورولان بارت و...الخ في سياق كتاب يصنف في جنس الرواية- ليس إلا طريقة في الاستعراض الذي لا ضرورة له إن لم يدعم بمبررات ومقولات هؤلاء الوارد ذكرهم كي تجري معالجة أقوالهم بصيغة جديدة أو ما شابه. الكاتبة الكندية مارغريت أتوود لم تفعل ذلك في أدبها، ولا مايكل اونداتجي مثلا، وهذا لا يعني أنهم لم يسمعوا بالفلاسفة والروائيين العظام.
لم لا تجعل من كتابك بيتا لفكرك وصنيع مخيلتك العارية من كل هؤلاء الذين قرأت لهم وتعرفت على أفكارهم في الرواية والفلسفة!
...
الرقابة تصنع منا الجبناء والمتمردين في الآن ذاته. في رأس كل جبان، متمرد يتحين الفرصة كي يكون. جانب من الاختفاء خلف الأسماء الكبيرة مرده الجبن والشعور بالدونية اتجاه الكبار لذلك يتعكز عليهم الكاتب يمضي في سرده ومعه قافلة من الكتاب الموتى الذين بقيت صفحات كتبهم حية وترافقنا، نحن قراء الآن.
...
الدقة والاختزال والقصدية مطلوبة من الشاعر بشكل كبير. في الشعر يتوخى القارئ أن  لكل كلمة مكانا ووظيفة، اما في فن القصة والسرد فيكون الكلام أكثر ارتياحا وليس أقل ذكاء كي يصل في النهاية إلى المعنى والمحتوى. ينجح الكاتب في نصه حين ينتج نصا لم يكتبه أحد من قبله. لكل مبدع فرديته التي تسمى «صوت الكاتب» وتلك الفرادة هي البصمة التي يتركها في أذهان القراء.
..
سألني صديقي القارئ والكاتب المعمّر: لم نعد نستطيع قراءة الكتب الطويلة، هل تعانين من هذا الأمر في القراءة في السنوات الأخيرة من تعاملنا مع مواقع التواصل الاجتماعي؟
نعم، هناك إشكالية الوقت وطبيعة الحياة التي نعيشها وحولنا كل هذه المنصات التي تدلق المعلومات المفيدة والتافهة على الشاشة. وفي كل الأحوال يجب الاختزال والتركيز والتأثير الذكي إذا اراد الكاتب أن ينجح في علاقته مع القراء. وانا ألاحظ عدم رغبتي في هدر وقتي مع كتاب ثقيل في الصفحات، وشحيح في الجمال. المأزق الفني الأدبي يتبلور في أننا قد نعرف ما يجب ولكننا نعجز عن كتابته كما يجب فنياً وجماليا.
..
كلما مات حب، أحييناه في قصائد الغياب. كلما قتل وطن، كفناه بالكلمات. وعدنا نخترع أبواباً أخرى للخلاص. الكتابة باب من تلك الأبواب المستعارة التي تنادِنا كي نقرعها ونفتحها بأدواتنا الفنيّة الصغيرة المتواضعة.
..
لماذا يكتب الشعراء القبلات ما داموا قادرين على ارتكابها؟!
منفيٌّ عن قلبه، من ليس في شفتيه ما يكفي من القبلات للأشجار والطرقات، للحياة ولي.
..
الشعر يحتاج إلى تأمل قبل الكتابة وأثناء القراءة ونحن جيل لا يمتلك الوقت والمقدرة على الصمت والتأمل طويلاً. لذلك نطرد الشعر والشعراء من يوميات القراءة. وأيضا لأن الشعر تقاعس عن خلق الصدمة الجمالية التي تحاكي القلب والفكر.
ترجمتُ مقولة للشاعر الانكليزي الشهير صاحب «الأرض اليباب» الملحمة العبقرية للشاعر ت .س اليوت يقول فيها «الشعر العبقري بمقدوره التواصل قبل أن يُفهم» وبالطبع يزداد أثر الشعر في فهمه واستيعاب محتواه عبر كل كلمة ومدلول مضمر وراء الكلمات التي لم تدون. وبما أن الشعراء ليسوا عباقرة إلا ما ندر، حتى وإن تضخمت (الأنا) فيهم واعتقدوا أنهم خلقوا شيئا ثمينا، لذلك سنقرأ كتابات كثيرة ليست إلا ثرثرات القلوب في صيغة شعريَّة متوسطة القيمة وربما بلا جماليّة وفنيّة.

*كاتبة سورية من كندا