علي جودة يكرّم من ملكة النرويج ويتفوّق على الساهر

ثقافة 2023/12/13
...

 سامر المشعل

رحل الفنان علي جودة الأسبوع الماضي، من دون تلويحة وداع عن عمر ناهز 62 عاماً، مخلفاً صدمة كبيرة في نفوس محبيه وأصدقائه والوسط الفني. علي جودة الذي انطلق صوته من مدينة الغناء والشعر الناصرية، بعد أن تشبعت ذاكرته بأصوات ناصر حكيم وحضيري ابو عزيز وداخل حسن وخضير حسن مفطورة وجبار ونيسة وطالب القره غولي وكمال السيد وحسين نعمة.
ليبحر بمركب الأصالة بعالم الغناء، وهو يمتلك صوتا متفردا صادرا عن أعماق الوجع الجنوبي مترفا بعذوبته وقوة الشجن وتموجات الصوت، التي تشبه بجمالها أمواج الاهوار، وهي تتهادى على ضفاف البساتين.
ومن أجل تكتمل مقوماته الفنية كمطرب محترف، شد الرحال إلى محافظة البصرة، ليصقل موهبته بالدراسة الاكاديمية في معهد الفنون الجميلة، فاحتك بفناني البصرة، وأخذ منهم الوان الغناء البصري، مثل الخشابة واغاني البحر.. لتتسع مناهل الجمال في نفسه.. ثم انتقل إلى بغداد ليكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة، ويتخرج منه أواسط الثمانينيات.  
جودة مطرب يكاد يكون حالة استثنائية، ليس لها مثيل في الوسط الغنائي، آراؤه وطريقة حياته وقناعاته لا تشابه أي فنان آخر.. في هذا الاستذكار سنتعرف على الكثير من الأسرار، التي تكتنف حياته، وسيتعرف عليها القرّاء، وهي حصيلة علاقة شخصية بالفنان الراحل على مدى ربع قرن.

آخر العنقود
على الرغم من أنه بدأ الغناء في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن شهرته انطلقت في منتصف الثمانينيات، وبرز من بين مجايليه بصوته، الذي ينفذ إلى أعماق الوجدان بقوة تموجات المشاعر المتدفقة، واستطاع أن يستحوذ على إعجاب وحب الجمهور في اكثر من اغنية.. فهو صوت مثقف ويمتلك معرفة موسيقية ممتازة، ويجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية، فضلا عن ثقافته العامة، التي منحته جواز المرور لقلوب الجمهور والوسط الفني.
انطلقت شهرته مثل الكثير من أبناء جيله من خلال برامج المواهب، التي كان يعدّها الفنان فاروق هلال ففي العام 1986 فازت  اغنيته " شيء غريب" بالمرتبة الاولى في برنامج "استفتاء وداعا 86"، وفي العام 1987 فازت أغنيته "حتى أنت" في المرتبة الأولى والمفارقة، أنه تفوق على الفنان كاظم الساهر، الذي شارك في الاستفتاء نفسه، إلى جانب العديد من مطربي الثمانينيات.
وعن هذه المرحلة والبرامج التي تقدم آنذاك قال "أنا آخر العنقود من المواهب، التي اطلقها الفنان فاروق هلال". وأضاف هذه البرامج رصّنت الأغنية العراقية بالعديد من المواهب والأصوات المثقفة، التي شكلت امتداداً إبداعيا لمرحلة السبعينيات، وسبقت ما يقدم الآن من برامج المواهب مثل " the voice " و "arab adol " بأكثر من ربع قرن، لكنها كانت تتصف بالنزاهة والصدق والجدية، والهدف منها فني وإبداعي بحت وليس تجاريا حسب قوله.

أضواء الشهرة
قلت لجودة تفوقت على الساهر في العام 1987، لكنه حقق شهرة أوصلته إلى أن يتبوأ مرتبة قيصر الغناء العربي، وأنت تراجعت شهرتك.. فهل هذا يعني أنك لا تجيد الوقوف تحت أضواء الشهرة؟.
قال: لا أجيد الوقوف تحت أضواء الشهرة والإعلام، لأنني لا أتزلف للمسؤولين، ولا أعرف فن مسح الأكتاف.. والأهم من ذلك كله، أنا في هذه الفترة كنت هارباً من الخدمة العسكرية!!. وهذا السر لأول مرة أصرح به، أنا في 1986 كنت هارباً، فكيف أسافر خارج العراق، وأصبح نجماً وأنا هارب.. لينهي كلامه بجملة "أنا لا أحب أن اتحدث عن نفسي، وأدع الاخرون يتحدثون عني".

القناعة
على الرغم من أنه ذاق طعم الشهرة، إلا أنها لم تغره بملاذاتها، وعن ذلك يقول" أنا نجحت في العراق، وهذا يكفيني وأنا مقتنع بالذي وصلت إليه.. لا تحسبني مطرباً، يغني من أجل ان ترمى عليه النقود، أنا أغني لنفسي، وعندما أغني في قاعة الجواهري في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ويسمعني خمسين مثقفا ومثقفة، عندي أفضل من الغناء في كبرى الصالات العالمية.. أنا مقتنع أن داخل حسن مات، وهو لا يملك عمارة، وترك الذكر الطيب والفن الاصيل، الذي لا يتغير ويمحى على مر الاجيال".
ويذكر، أنه في العام 1975 سافر إلى الدنمارك والسويد والنرويج في مخيم عالمي، والتقى ملكة النرويج، التي كرّمته بميدالية أصغر جوال في العالم.

"أموت عليك"
بعد نجاح أغنية " شيء غريب " التي أردفها بأغنية "حتى أنت"، واصل نجاحه بأغنية "لعيونك الحلوات"، ليتصاعد خطه البياني في سلم الشهرة، بأغنية "زعلان خلي وارد أراضيه"، ثم "لو أصاحب خوش صاحب"، ليتوج نجاحه بأغنية "أموت عليك".. والأخيرة شكّلت جدلا في الساحة الشعرية، فظهر في "تايتل" الأغنية أن الكلمات للشاعرة فاطمة الليثي، وادّعى بعض الشعراء، بأنهم من كتبوها، لكن عند جودة الخبر اليقين، فيوضح بالقول أنا من كتبت "اموت عليك" وسجلتها باسم الليثي، لأنها كانت تكرر جملة "أموت عليكم ناصرية"، أحببت هذه الجملة ووظفتها في الأغنية.. يستذكر هذه الأحداث ضاحكاً، ثم يضيف.. هذه الاغنية كان الفنان الراحل رياض أحمد يحبّها كثيرا، ويطلب غناءها بشكل مستمر، يقول جودة في إحدى المرات سألته.. تعرف لماذا أنت تحب هذه الاغنية؟
فقال لماذا؟
فصارحته بأنني أخذت هذه الاغنية منك!!.. من موال تعلل فالهوى علل..".

أغني للبسطاء
كتب العديد من الشعراء للفنان علي جودة، ومنهم الشاعر جبار الغزي وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد المحاويلي وجبار صدام وعلي حمزة وطالب السوداني، وآخرين، ولحن له الفنان جمال فاضل وكريم هميم وصباح الخياط وحكمت ناهي..وآخرون.
ويبرر عدم غنائه لكبار الملحنين مثل القره غولي واموري ومحسن فرحان.. بالقول" أنا أغني لبسطاء مثل كريم هميم وجبار صدام وصباح الخياط.. لا أريد التعامل مع هؤلاء العمالقة".
وكان يتمنى أن يغني "بعد اليوم" للمطرب كريم حسين، وهي من ألحان محمد جواد اموري، ويذكر أن اموري عندما سمعها منه أعجب بها.
والأغنية الأخرى هي "ضيعنا القدر" للمطرب حسين نعمة، ويقول سبق أن أخبرت أستاذي (أبو علي ) برغبتي.