باقر صاحب
من البديهي القول إنَّ الأعمال الأدبيَّة التي تتنبأ بما سيؤول إليه العالم مستقبلاً، تنتمي إلى أدب الخيال العلميّ، وهنا يمكن القول إنَّ كل السياسات المسؤولة عن معالجة القضية العالميّة الأولى راهناً، ألا وهي آثار التغير المناخي، يجب أن تكون لها عينٌ مبصرةٌ بما يكتبه الأدباء والروائيون والقصاصون خاصة في هذا المجال، على وفق ما قال أحد رواد النهضة العربية عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902)، بأن إحدى وظائف الأدب “تنبيه الناس ورفع الالتباس” عن التحديات التي تواجه الإنسان في كل مكانٍ وزمان.
فما كتبه الأدباء ليس بالضرورة أنه كان متزامناً مع اشتداد المحاذير الآن من الاحترار العالمي، بل تمّ تناوله قبل عقود من الزمن. ولذلك ليس من المبالغة الإطلاق على الأدب صفة” عرّاف التغيّر المناخي”، هذا ما ذكره موقع “الجزيرة نت” في تقريرِ مفصّلٍ عن هذه الموضوعة بتوقيع الكاتب وهيب الخطيب. ولأهمية التناول الأدبي لقضية تغيّر المناخ، ونتيجة لتعدد الأعمال الأدبية في هذا المضمار، بات هناك ما يسمّى أدب “الخيال المناخي” على غرار تسمية الخيال العلمي.
ونرى أن كلَّ حقبةٍ تاريخيةٍ عالميةٍ، لها خصائص سياسية وعلمية وتكنولوجية ترسم طابع أدب الخيال العلمي في تلك الحقبة. أدب الخيال العلمي يعني أنَّ له قصب السبق في تناول ظاهرةٍ تتحقق فعلياً بعد عقودٍ من الزمن قد تطول أو تقصر. أما ما يُنتج من أدبٍ تكون موضوعته متداولةً راهناً على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، يصبح هنا أدباً مسايراً، يتناول تداعيات حقيقية، لأدب التغيّر المناخي، بحسب موضوعتنا في هذا المقال.
تناول التغيّرات المناخية المتطرفة له جذورٌ تاريخيةٌ في الأدب العالمي، بحسب ما يذكر أكاديميون بحثوا آثار تلك التغيرات، في نصوص كُتبت قبل قرونٍ عدة، ويستشهدون برواية “سنة دون صيف” للكاتبة الانكليزية ماري شيلي (1797-1851)، وصدرت في عام 1816، حيث تتحدث عن انخفاضٍ حادٍّ في درجات الحرارة، ما أدى إلى موت المحاصيل الزراعية نتيجة الانجماد، وسبّب في نقص الغذاء في انجلترا، وفي نصف الكرة الشمالي عامة. ويُدرج أيضاً في مجال النصوص المناخية، ما كتبه الكاتب الفرنسي غوستاف فولتير( 1821- 1880)عن زلزال لشبونة عام 1755، وفيها تركيز على تعامل الإنسان مع الكوارث الطبيعية.
وليس السرد فقط، تناول ذلك، بل الشعر أيضاً، حيث عكست بعض قصائد شعراء القرن التاسع، القلق الإنساني من آثار التغير المناخي على الكائنات الحية جميعاً، على سبيل المثال قصيدة “الظلام” للشاعر الإنكليزي اللورد بايرون (1788-1824 ) كتبها عام 1816، وقصيدة “الجبل الأسود” للشاعر الإنجليزي بيرسي بيش شيلي(1792-1822) في الفترة نفسها.
تتبّع النصوص التاريخية التي تناولت التغيّر المناخي، من الممكن أن يسعفنا في معرفة تطور وجهات نظر الثقافات الحديثة تجاه القضايا المناخية والبيئية، ومن ثم يتراكم لدينا سجلٌّ تاريخي بشأن معالجة الإنسان قديماً وحديثاً للتغيرات المناخية الحادة. ويذكر الدارسون لمسرحية شكسبير (1564 - 1616)” الملك لير” بأنّ هذا الكاتب الانكليزي الخالد أراد أن يوصل إلينا، في هذه المسرحية، ثيمة ضعف الإنسان أمام الكوارث الطبيعية.
الروائي والشاعر الفرنسي جول غابرييل فيرن (1828-1905) الذي عُرف بكتاباته في مجال أدب الخيال العلمي، أصدر في عام 1889 روايته الشهيرة “رأساً على عقب”، أو “شراء القطب الشمالي” تتناول موضوعةً خيالية؛ “إعادة هندسة الكرة الأرضية، في محاولةٍ لتغيير محورها، وجعله عمودياً كما هو الحال مع كوكب المشتري، كمحاولةٍ لتجنيب الكرة الأرضية قلاقل مناخية”، كما تذكر مصادر عديدةٌ تناولتِ الرواية.
الأهمية الكبيرة لموضوعة الرواية تتضح في أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تناولت وكالاتٌ عالميةٌ أنباء “تحركات سريعة تجري في القطب المغناطيسي الشمالي، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للحديث عن انقلابٍ مغناطيسي جديد، واحتمال تغير محور الأرض”، وتستطرد الوكالات بالقول” مثل هذا الانقلاب في محور الكوكب، ربما يكون كفيلاً بتغيير شكل الحياة البشرية فوق سطح الكرة الأرضية، فقد يختفي الشتاء أو الصيف، وربما كلاهما معاً دفعة واحدة.»
في العصر الحديث، أولى السرديات التي كانت ثيمتها المناخ، رواية “ حكاية المزارع” للكاتبة الأميركية أوكتافيا إي بتلر (1947- 2006)، الحاصلة على جائزة هوغو لأفضل قصة قصيرة عن “أصوات الكلام” عام 1984 وجائزة هوغو لأفضل أقصوصة طويلة عن “طفل الدم” في العام 1985.
صدرت “حكاية المزارع” عام 1993، في العقد الأخير من القرن الماضي، أي في الوقت الذي لم يكن فيه أيُّ صدىً لما ستصبح قضية القرن الحادي والعشرين، قضية التغير المناخي، وتأثيراته في حياة الأحياء جميعاً، البشر والنباتات والحيوانات. تطرح بتلر في هذه الرواية كيف “أدى تغيّر المناخ إلى تفاقم نقص المياه والغذاء، وعدم المساواة في الثروة، وانتشار الظلم الاجتماعي».
وتُعدُّ رواية “وزارة المستقبل” لكاتب الخيال العلمي الأميركي كيم ستانلي روبنسون، من أهم الروايات التي صدرت في قرننا الحالي، وثيمتها تتركز في الحفاظ على الأجيال البشرية المقبلة من أخطار التغيرات المناخية العاصفة، التي يمكن أن تحدث في المستقبل إذا لم تعالجِ الدول الصناعية الكبرى ظاهرة الاحتباس الحراري الجالب لتغيراتٍ مناخيةٍ هائلةٍ من أعاصير وفيضانات، وارتفاعٍ غير مسبوقٍ لدرجات الحرارة.
ومن الإصدارات الحديثة التي تصدت لقضية المناخ رواية “الهجرات” للمؤلفة الأسترالية شارلوت ماكوناجي، وفيها تنقل رعبها إلى القارئ؛ فيما لو خلى العالم من الحيوانات، وبقي البشر وحدهم، بالتأكيد أن العالم سيصبح غير متوازن، ويفقد البشر مورداً رئيساً من موارد بقائهم على سطح البسيطة.
ومن أشهر كتاب الخيال العلمي الذين تعاطوا مع قضية الاحتباس الحراري المسبب لكوارث التغير المناخي الكاتب الأميركي نيل ستفينسون، هنا يقدم حلولاً للاحتباس الحراري في روايته “صدمة الإنهاء”، حيث تتحدث الرواية عن إمكانية مستقبلية في تعديل درجات الحرارة عالمياً بشكلٍ مصطنعٍ عن طريق حقن الغلاف الجوي بوساطة ما يسمى “الهندسة الجيولوجية الشمسية».
يمكن القول إنه في الغرب باتت قضية التغيّر المناخي تمثل تياراً أدبياً كبيراً، وبحسب التقرير المذكور للجزيرة نت، صدرت نحو 20 رواية، على وفق ما ذكر موقع outsideonline ، قد تتشابه ثيماتها، لكن أغلبها “يصوّر واقعاً مريراً ناجماً عن الانهيار البيئي والذي ينمو بسبب جشع الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى”.
وفي الختام نذكر أنّ الأديب يُسمّى ضميرعصره، وكاتب الخيال العلمي يمكن اعتباره ضمير عصر المستقبل، أما كاتب الخيال المناخي فيمكن القول بأنه ضمير مستقبل الكرة الأرضية على وفق التهديدات المناخية.