الباحث والأكاديمي العراقي حيدر الفيصل: نأمل الوصول إلى علاج للسرطان
هلسنكي: امجد طليع
ولد الباحث والأكاديمي حيدر الفيصل في مدينة الصدر (الثورة) عام 1978، انتقلت أسرته الى محافظة ذي قار ودرس هناك الابتدائيَّة والمتوسطة ثم عادوا الى بغداد وفيها أكمل الدراسة الإعدادية في ثانوية المصطفى للبنين، انتقل في العام 2005 للعيش في فنلندا وفي جامعة (التو) درس البكالوريوس في هندسة المواد والماجستير في الهندسة الكيميائية، وأثناء دراسته للدكتوراه في الهندسة الفيزيائيَّة تمكن من تسجيل براءتي اختراع في التطبيقات الطبيَّة، محور براءة الاختراع الأولى تطوير مواد تحسن من تقنية التصوير بالموجات فوق الصوتيَّة (السونار) وسجل كبراءة اختراع في فنلندا وأرسل الى نظام براءات الاختراع الدولي ليسجل في الاتحاد الأوروبي، أما الثانية فكان محورها تطوير مواد ذكيَّة يمكن حقنها في جسم الإنسان يمكنها التعرف على المؤشرات الحيويَّة لبدايات أمراضٍ مختلفة من أهمها مرض السرطان ويمكن رصدها أيضاً باستخدام الموجات فوق الصوتيَّة، الأمر الذي يوفر وسيلة آمنة وقليلة الكلفة وواسعة الانتشار للتشخيص المبكر للأمراض.
وتكللت جهوده العلميَّة بمنحه جائزة الابتكار من جامعته لعام 2023، إذ احتفت به الجامعة والأوساط العلميَّة الفنلنديَّة، كما نال اهتمام الصحافة الفنلنديَّة بوصفه عالِماً مبتكراً في مجال اختصاصه وصاحب اختراع ذي تأثير واسع.
مؤسسة الأعمال الفنلنديَّة رصدت مبلغاً يقدر بمليون دولار لإجراء الأبحاث ما قبل السريريَّة من أجل تهيئة المنتج للتسويق التجاري.
«الصباح» استضافت الباحث حيدر الفيصل لتسلط الضوء على منجزه العلمي والفوائد المنتظرة منه ومتى يدخل الاستخدام.
* ضعنا بتصورٍ يمكن لعامة الناس أنْ تفهمه بشأن اختراعاتك العلميَّة كونها على صلة مباشرة بحياة المواطن؟
- بداية شكراً للصباح على هذه الاستضافة وتوفير الفرصة لتسليط الضوء على هذه الإنجازات على أمل أنْ يكون لدى الأوساط العلميَّة والاجتماعيَّة العراقيَّة اطلاعٌ على ما نعمل عليه.
كباحثٍ من أصولٍ عراقيَّة انحدر من بيئة تعدُّ من المجتمعات النامية وسبق وأنْ عانت من الكثير من المآسي والحروب بصورة عامَّة، فكان الهاجس الأساسي لكل خطوة علميَّة أو بحثيَّة أقوم بها هو محاولة إيجاد طرقٍ حديثة سهلة المنال لتشخيص الأمراض المستشرية في المجتمعات بصورة عامة.
الأمر الذي قاد الى التفكير وتركيز البحث في طريقة التصوير بالأشعة فوق الصوتيَّة كونها تعدُّ التقنية الأكثر أمناً والأقل كلفة والأكثر شيوعاً بين التقنيات الطبيَّة، لكنَّ هذه التقنية تنطوي على مشكلة الدقة المكانيَّة في التصوير، لذلك كانت الطريقة الوحيدة لتحسين الدقة المكانيَّة هي إيجاد مواد تساعد على تحسين الموجة المنعكسة في التصوير، وهي ما تعرف (بعوامل التباين)، عوامل التباين المستخدمة حالياً مشكلتها أنَّ عمرها قصير في الدورة الدموية أثناء حقنها في جسم الإنسان ويتراوح ما بين خمس الى عشر دقائق، ما يوفر فترة زمنية قصيرة للطبيب المشخص للحالة المرضية مثل أمراض القلب والشرايين.
قمنا بتطوير عامل تباين ذي عمر افتراضي داخل الدورة الدمويَّة يصل الى ساعة كاملة تقريباً استناداً على التجارب الأوليَّة التي أجريناها على الفئران.
* هذا بالنسبة للاختراع الأول ماذا بشأن الثاني؟
- المحور الأساسي للاختراع الثاني يستندُ على طول الفترة الزمنيَّة لعوامل التباين المطورة من قبلنا، إذ جعلنا عمرها طويلاً وأضفنا لها الذكاء.
* ماذا يعني الذكاء؟
- المقصود بالذكاء هنا أنَّ هذه المواد قادرة على التعرف على مؤشرات بايولوجية محددة على سطح الخلايا المصابة بمرضٍ معينٍ وتقوم بالالتصاق بسطح الخلية لتشكل طبقة ممكن تشخيصها من خلال جهاز الموجات فوق الصوتية (السونار) وهذا علمٌ خاصٌ يسمى التصوير الجزيئي.
* عندما تلتصق المادة الذكية بالخلية المصابة هل تكتفي باكتشافها أم لديها
القدرة على معالجتها أيضاً؟
- في الوقت الحالي نعملُ على تطوير تقنية التشخيص المبكر للأمراض، أما إمكانية المعالجة فهي نظرياً ممكنة من خلال تحميل المواد الكاشفة بمواد معالجة تذهب بالطريقة نفسها وتعالج الخليَّة المصابة بعد إزالة المواد الأولى من خلال استخدام تقنية الموجات فوق الصوتية المركزة. لكنَّ هذه الخطوة ستكون خطوة لاحقة بعد تجاوز اختبارات الكفاءة والسلامة للمواد المكتشفة الأساسيَّة الجاري تطويرها.
* هل يمكن التعامل مع مرض السرطان بهذه التقنية، أم لا بُدَّ أنْ تكون له تقنيات خاصة؟
- يعدُّ مرض السرطان من أكثر الأمراض تعقيداً، إذ حاز أكبر قدرٍ من الاهتمام من قبل الباحثين والمؤسسات العلميَّة، وصرفت أموالٌ طائلة جداً تقدر بمليارات الدولارات خلال العقود المنصرمة، أغلب المحاولات باءت بالفشل؛ لذلك أي تقدمٍ ملموسٍ أو أي فكرة تحاول تشخيص أو معالجة السرطان تعدُّ تقدماً علمياً جيداً.
من خلال هذه التقنية نحن نستهدف صفة بالخلايا السرطانيَّة، إذ إنَّها تحتوي على غزارة بالمؤشرات البايولوجيَّة التي يمكن استهدافها من خلال المواد الذكيَّة التي قمنا بتطويرها، ونأمل نجاح هذه التقنية باكتشاف الخلايا السرطانيَّة ونسهمُ في معالجة المرض بوقتٍ
مبكر.
* الآن أين وصلتم بأبحاثكم؟
- تسلسل الأبحاث يبدأ بالاختبارات المختبريَّة ومن ثم الاختبارات ما قبل السريريَّة (الاختبارات على الحيوانات) ومن ثم الاختبارات السريريَّة (تجرى على البشر).
قمنا بالاختبارات المختبريَّة وحققت نجاحاً وعلى إثرها حصلنا على تمويلٍ يقدر بمليون دولار لإجراء الاختبارات ما قبل السريريَّة ونأمل أنْ تنتهي نهاية عام 2024 وعلى أساسها سيتم تقييم النتائج والانتقال الى الاختبارات السريريَّة أو الانتقال الى مرحلة تطوير أخرى.
* حدثنا عن فريق العمل الذي تقوده في البحث؟
- بعد الحصول على التمويل من مؤسسة الأعمال الفنلنديَّة شكلنا فريقاً من جامعتين هما جامعة التو في هلسنكي وجامعة اولو في مدينة اولو شمال فنلندا، يشرف على فريق جامعة التو البروفسور روبن راس ويشرف على فريق جامعة الو البروفسور سيبو فاينيو. يتكون فريق التو من الدكتور انتي راهيكلا والدكتور غريغوري بوني فرنسي الجنسية وحيدر الفيصل، أما فريق اولو فيتكون من الدكتور اناتولي سامولينكو اوكراني الجنسية والدكتور اليا سكوفورودكين روسي الجنسية وجميعهم باحثون في الجامعات المذكورة.
في التو عملنا على تطوير وتسويق المنتج، وفي اولو يقومون بعملية الاختبارات ما قبل السريرية. وأنا المخترع الأساسي والمشرف على تطوير المنتج
علمياً.
* كيف سيستفيد الفقراء من هذا الاختراع؟
- عادة تقنيات التشخيص مثل التصوير المغناطيسي (الرنين) تكون باهظة الثمن وتستخدم موادَّ مشعة في التصوير وتحتاج الى بنى تحتية كبيرة ومكلفة، ما يجعل فترة الانتظار والكلفة عاملين ينهكان كاهل الفقير في التشخيص والعلاج، على العكس من ذلك تقنية التصوير بالموجات فوق الصوتية هي تقنية آمنة ورخيصة ومتاحة في كل العيادات بما فيها العيادات الخاصة، وهذا يوفر سهولة في الحصول على خدمة طبية سريعة وسهلة ورخيصة وآمنة.
* هل هذا الاختراع سيخرج الرنين والمفراس عن الخدمة؟
- تقنية الرنين ذات دقة عالية لا يمكن إخراجها عن الخدمة، لكنْ بالتقنية التي نعمل عليها سنوفر الوقت ونسبق الرنين، وفي حال الحصول على أشارة يرسل الطبيب المريض الى الرنين للحصول على صورة أكثر دقة أو يحوله الى الفحص
النسيجي.
* لا بُدَّ لي أنْ أختمَ معك بسؤالٍ عن طموحك ما بعد الدكتوراه والمشروع الذي تعمل عليه الآن؟
- في الوقت الحالي تفكيري منصبٌّ على إنجاح المشروع؛ لأنَّ له قيمة إنسانيَّة كبيرة ويسهم في تخفيف آلام الكثيرين حول العالم بما فيهم أبناء وطني العراق، لدينا الكثير من الأفكار التي يمكن أنْ تصبَّ بذات الهدف ونسعى للعمل عليها تباعاً في المستقبل، لكنَّ الأهم هو إنجاز المهمة
الحالية.