علي حسن الفواز
يعيش الغرب كوابيس ما يحدث من جرائم في غزة، وحتى بعض "مثقفي اليسار" في هذا الغرب باتوا يعانون من ضغط تلك الكوابيس عبر مظاهر تتمثّلها أشكال من السأم السياسي والأخلاقي، لأن الكيان الصهيوني تجاوز في جرائمه الحدود، فلم تعد عالقة بأوهام مشروعه الاستيطاني، ولا بمثيولوجياته فحسب، بل أضحت تعريةً لنزوعه العدواني، ولتمثلاته في الكراهية والبطش والقتل العلني، وكأنه يستعيد معها كلّ عُقد تاريخ المتاهة الأسطورية، لينخرط بجنون حروبٍ مفتوحة تعكس طبيعة مرجعياته الايديولوجية والعصابية.
مراجعة ما يجري، أو حتى نقده، يتطلب شجاعة أخلاقية أكثر من كونها ثقافية، فالإرهاب الذي تصنعه الصهيونية لم يعد مخفياً، والعنصرية التي تُجاهر بها لم تعد غامضة، وهو ما يعني توصيفاً لـ"العار" الذي ينبغي أن يطال كل الذين ارتكبوا هذه الجرائم والفضائح، وأن يتم اخضاعهم إلى العدالة التي شوهوا حقائقها وقيمها وأهدافها، فأي مقارنة للأحداث مابعد السابع من اكتوبر لن تكون واقعية، لأنَّ المظلوم له حق الدفاع عن نفسه، وما جرى من عدوان قاسٍ لا يُبرره أيّ خطاب، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش إلى رفضه، وإلى القول بإنَّ "طوفان الأقصى" لم يأت من فراغ، وهذا ما يعني أنَّ تاريخ الجريمة الصهيونية عبر الاحتلال والاستيطان والقتل لن يسقط بالتقادم كما تقول المواثيق الدولية، وهو ما يجعل الحق الفلسطيني حاضراً وفاعلاً ودون الخضوع إلى توقيتات محددة..
لا يبدو أنَّ الصهاينة سيصحون من هذا الكابوس، لأن الحدث الفلسطيني تحوّل إلى صحوة عالمية، وإلى تاريخٍ آخر تجاوز حدود الرثاء والوقوف على الطلل، انكشفت فيه إرادات شعبية ترفض العدوان وتفضح نواياه، وتصنع أشكالاً جديدة للمواجهة والمقاومة، وحتى للتعبير عن الذات والهوية والوجود، والتي جعلت من جريمة غزة جريمة أخلاقية تقضّ مضاجع الغرب، فهي ليست حدثاً أمنياً يمكن التعاطي معه بالقوة أو بالنسيان، بل إنها شكلٌ بشعٌ لـ"الاحتلال" حيث يتبدّى بوصفه موضوعاً قانونياً مطروحاً أمام "الأمم المتحدة" و"مجلس الأمن" و"المحكمة الدولية" و"الرأي العام" وبهذا فإن العدوان الصهيوني الذي توهمه "نتنياهو" وفريقه الإجرامي "خرقاً للواقع الفلسطيني" تحوّل بالفعل إلى كابوس أمني وسياسي وأخلاقي، وخسارة مدوية تفضح "السرديات" الزائفة للصهيونية، وربما تحوّل إلى تاريخ ضدي، جديد وساطع، انفضحت فيه جرائم الاستيطان والعدوان والقتل المجاني للنساء والأطفال، مثلما جعل من القضية الفلسطينية أكثر وضوحاً، وأكثر مدعاة لوضعها في سياق القانون الدولي الذي يقرّ بحق الشعوب والدول بالوجود والسيادة والعيش الكريم.