إيمي كننغهام
ترجمة: بهاء سلمان
لم تتوقف الكوارث البيئيَّة المرتبطة بالمناخ هذا الصيف، وتضرب موجات الحر الولايات المتحدة وأوروبا والصين وشمال أفريقيا، بينما تستعرُ حرائق الغابات في كندا واليونان؛ كما أدى الدخان الخانق الناتج عن الحرائق الكنديَّة إلى حجب السماء في جميع أنحاء الولايات المتحدة. هذه الحال ضارة للجميع، وللأطفال بشكلٍ خاص. وتصفُ منظمة الأمم المتحدة للطفولة تغيّر المناخ بأنَّه أزمة حقوق الطفل؛ وتشير تقديرات المنظمة إلى أن مليار طفل في جميع أنحاء العالم، أي ما يقرب من نصف الأطفال، معرّضون بشدّة لخطر تأثيرات تغيّر المناخ، ليهدد صحة هؤلاء الأطفال الآن وطوال حياتهم.
وتقول عالمة الصحة البيئيَّة "فريدريكا بيريرا" من جامعة كولومبيا، إنَّ التطوّر المستمر للأطفال من فترة الجنين وحتى مرحلة المراهقة هو أحد الأسباب التي تجعلهم عرضة بشكلٍ خاصٍ للأضرار الصحيَّة الناجمة عن التأثيرات المرتبطة بالمناخ على البيئة. وأسست فريدريكا مركز كولومبيا للصحة البيئيَّة للأطفال سنة 1998. وفي لقاء معها حول تغيّر المناخ وصحة الأطفال وحسن أحوالهم، تحدّثت العالمة عن الفوارق من حيث من هم الأكثر عرضة للخطر ولماذا تعرّض هذه الأضرار المبكّرة الصحة للخطر طوال الحياة.
مراحل أولى
وبسؤالها كيف يؤثر تغيّر المناخ، مثل موجات الحر ودخان حرائق الغابات، في صحة الأطفال، قالت بيريرا إنَّه عندما نتحدّث عن آثار تغيّر المناخ وتلوّث الهواء على الأطفال، نحتاج حقاً إلى تضمين فترة الجنين بالإضافة إلى مرحلة الرضاعة والطفولة وحتى المراهقة، لأنَّ الدماغ والأنظمة الأخرى تتطوّر خلال تلك الفترات.
وأشارت إلى وجود العديد من المخاطر الصحيَّة، فالحرارة الشديدة تسهم في الولادات المبكرة، وتتسبب في الوفيات والأمراض المرتبطة بالحرارة عند الرضع والأطفال. ويعاني الأطفال أيضاً من الظواهر الجويَّة القاسية، حيث يعانون من إصابات جسديَّة وصدمات نفسيَّة؛ كما تسبب مواسم حبوب اللقاح الأطول بسبب تغيّر المناخ المزيد من الحساسيَّة والربو، وتتزايد نوبات الربو نتيجة استنشاق دخان حرائق الغابات. وهناك مشكلة انعدام الأمن الغذائي وتوقف النمو بسبب الجفاف في مناطق معينة من العالم، كما تتزايد الأمراض المعدية، التي تنتشر عن طريق الحشرات والنواقل الأخرى، مع توسع نطاق انتشار القراد والبعوض.
وأجابت بيريرا عن سؤالٍ يخصُّ بعض الأسباب الفسيولوجيَّة التي تجعل الأطفال أكثر عرضة لخطر آثار تغير المناخ من البالغين، قائلة: "أولاً، هناك البرمجة التنمويَّة السريعة والمعقدة للغاية خلال فترة الجنين والرضاعة والطفولة، والتي تكون عرضة للتعطيل بسبب الملوّثات السامة والصدمات والضغوطات المرتبطة بالمناخ.
النقطة الثانية هي أنَّ الرضع والأطفال ليس لديهم آليات الدفاع البيولوجي ذاتها التي تعمل بكامل طاقتها والتي تعمل عند البالغين لحمايتهم من التعرّض للسموم.
وفي ما يتعلق بالحرارة، يتمتّع الأطفال بقدرة أقل على التحكم في درجة حرارة الجسم الأساسيَّة أثناء موجات الحر الشديدة. ويعتمد الصغار علينا نحن البالغين للحصول على الماء والرعاية عندما تكون هناك مؤشراتٌ مبكرة على الإصابة بأمراضٍ مرتبطة بالحرارة.
صعوبات تنفسيَّة
وفي ما يتعلق بتلوّث الهواء والدخان الناتج عن حرائق الغابات، فإنَّ الأطفال معرّضون للخطر بشكلٍ خاصٍ بسبب زيادة التعرّض لهم، وغالباً ما يقضون وقتاً أطول في الهواء الطلق. ويمتلك الأطفال مساحة سطح رئة أكبر، وبالتالي يتنفسون هواءً أكثر لكل كيلوغرام من وزن الجسم مقارنة بالبالغين. أنوف الأطفال أقل كفاءة في ترشيح الجزيئات المستنشقة، لذا فإنَّ نسبة أعلى من هذه الجزيئات تخترق عمق الرئتين، كما تكون مجاريهم الهوائيَّة الضيّقة أكثر عرضة لتأثيرات الالتهاب، ما يؤدي إلى انقباض وصعوبة في التنفس".
كيف يؤثر تغيّر المناخ في الصحة العقليَّة للأطفال؟ سؤال ردت عليه بيريرا بالقول: "يؤثر تغيّر المناخ على الصحة العقليَّة بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر. الأطفال الذين يعانون من العواصف الشديدة والفيضانات وحرائق الغابات تظهر عليهم معدلات مرتفعة من أعراض الاكتئاب وكذلك من اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة.
ولكنْ حتى لو لم يتعرّض الأطفال لمثل هذه الكارثة بشكلٍ مباشر، فإنَّهم يتأثرون بالقلق المناخي. وفي استطلاع شمل عشر دول، قال أكثر من خمسين بالمئة من المراهقين والشباب إنهم يشعرون بقلق شديد بشأن تغيّر المناخ، وكان هذا القلق يؤثر سلباً في حياتهم اليوميَّة".
وطرح على بيريرا سؤالٌ آخر عن ماهيَّة الفوارق الموجودة من حيث الأطفال الأكثر عرضة للخطر من التأثيرات المرتبطة بالمناخ على البيئة، لترد قائلة: "جميع الأطفال معرّضون للخطر، ولكنْ بعض الأطفال يتأذون أولاً وبأسوأ حال ممكنة.
ينطبق هذا على المستوى العالمي، من حيث البلدان المنخفضة الدخل مقارنة بالبلدان المرتفعة الدخل، وكذلك هنا في الولايات المتحدة، حيث تتعرّض المجتمعات الملوّنة والمجتمعات ذات الدخل المنخفض بشكلٍ غير متناسبٍ لتلوّث الهواء وكذلك للحرارة الشديدة والأحداث الجويَّة المتطرفة.
تلوّث غير متوازن
إذا أخذت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فإنَّ مصادر التلوّث مثل الطرق السريعة الرئيسة ومستودعات الحافلات والشاحنات والمنشآت الصناعيَّة ومحطات الطاقة تقع بشكلٍ غير متناسبٍ في المجتمعات الملوّنة والمجتمعات ذات الدخل المنخفض وبالقرب منها. وقد أدت السياسات التمييزيَّة، مثل الخطوط الحمراء، إلى خلق جزر حراريَّة في المناطق الحضريَّة.
ونحن نرى أنَّ التعرّض غير المتناسب المقترن بالفقر والعنصريَّة يسهم في التفاوت في معدلات المرض.
في الولايات المتحدة، يبلغ معدل انتشار الربو ووفيات الرضع بين الأطفال السود ضعف المعدلات المسجلة لدى الأطفال البيض؛ كما أنَّ معدل الولادات المبكرة أعلى بنسبة 50 بالمئة بين النساء السود مقارنة بالنساء البيض".
ماذا تعني هذه الأضرار الصحيَّة المبكرة للأطفال بالنسبة لحياتهم المقبلة؟ كان هذا السؤال الأخير لبيريرا، لترد قائلة: "نحن نعلم أنَّ هناك آثاراً طويلة المدى لهذه الأضرار والأضرار المبكرة. تستمر الحالات غير المستقرة للجهاز التنفسي في كثيرٍ من الأحيان، كما يتعرّض الأطفال المصابون بالربو الحاد أو المستمر لخطرٍ متزايدٍ للإصابة بانسداد تدفق الهواء الدائم ومرض الانسداد الرئوي المزمن. ويؤثر انخفاض الأداء الفكري المرتبط بتلوّث الهواء، وكذلك سوء التغذية قبل الولادة أو في بداية الحياة، في القدرة على التعلم، ويؤثر ذلك في القدرة على الكسب والمساهمة في المجتمع.
مجلة ساينس نيوز الأميركيَّة