ثقافة الاحتراف

الرياضة 2023/12/24
...

كاظم الطائي
لم يعد العالم قرية فقط بل أصبح بمقدار أصغر من ذلك يقل إلى أدنى مسافة مع اتساع حجم الكون وحظي البشر بوسائل ومعدات وتقنيات كانت بعداد الخيال والأمنيات بعيدة المنال 

الرياضة أصبحت في ظل المعادلات الجديدة وتقنيات العصر والسوق الرائجة لها في حال يفوق ما كان يخطط له صناعها الذين وضعوا شعاراتها خالية من الربح المالي والتجاري والعنف واهتموا بمبادئ سامية تسود فيها لغة المحبة والطاعة والاحترام 

  قبل عقود وفي مباريات الفرق الشعبية في ملاعبنا كانت لازمة تتردد قبل كل مباراة وقبل أن يطلق حكم اللقاء صافرة البداية مفادها تعيش الروح الرياضية ويهتف الفريقان يا يعيش مع تصفيق المتبارين والجمهور ويتفانى كل طرف في تقديم كل ما يخدم هذه الفكرة وذلك الشعار من أجل عيون الرياضة الخالية من الأحقاد والضغائن والخلاف    ومن المعتاد أن ترى طوابير الرياضيين العائدين من أعمالهم الشاقة ومن بينها أعمال البناء ليرتادوا دون راحة ساحات اللعب وبعضهم يأتي جاهزاً للعب أو التدريب بارتداء ملابس الرياضة تحت ملابسه اختزالاً للوقت والجهد ومن أجل أن يكون في الموعد المقرر الذي لا يربك حسابات المدرب أو الفريق المنضوي له  لم تمنح الرياضة هؤلاء أي امتيازات مادية بل بالعكس كانت الفرق الشعبية تتعامل بالاشتراكات الشهرية أو الأسبوعية لدعم فرقها وتهيئة متطلبات اللعب من كرات وتجهيزات رياضية وتنقل بين المناطق وتقديم واجب الضيافة للفرق الزائرة من ماء وعصائر  معظم لاعبي الأمس يحتفظون بذكريات عن فرقهم الشعبية التي كانت منجماً للأندية والمنتخبات وطالما تحدثوا عن فضلها في تنشئتهم وتطوير مواهبهم وانطلاقتهم وما أكثر المواهب التي خرجت من معطف تلك الساحات ومصهر الفرق الشعبية وشقت طريقها نحو النجومية والإبداع  في عرف هؤلاء الذين تشرفت بهم رياضتنا أنهم فوق كل اعتبار لما تدره عليهم الألعاب من أثمان لإيمانهم المطلق بأن الهواية أغلى من الذهب وكم من هؤلاء أنفق الأموال والذهب من أجل أن يسعد أبناء منطقته وفريقه ويدعم أنشطتهم ويعين تواصلهم وهم أكثر سعادة بما يفعلون وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد عشق جيل الأمس للتضحية من أجل ديمومة لعبتهم الأثيرة وتقديم ما يلزم من جهد ووقت ومال إكراماً لعيون الكرة أو باقي الألعاب 

أغلبهم في غير وفاق مع تدوين مسيرتهم ويعدون ذلك من الكماليات وليس من باب التدوين وأرشفة نشاطهم وحينما تجري حوارات أو تقلب أوراق الأمس معهم في خريف عمرهم لا تجد ما يعزز هذا التاريخ بشواهد ومقتطفات من رحلتهم عبر الصحف والمجلات ووسائل التدوين الأخرى تاركين الأمر لغيرهم في تلبية تلك المتطلبات ولم يهتموا منذ شبابهم بما يكتب عنهم والاحتفاظ بأرشيف يبين ما تركوه من إنجازات وبطولات وأمجاد

عانى بعض نجوم الأمس في بلدنا من عدم توفر الكتب الرسمية ومايشير إلى تميزهم عربياً وقارياً ولم يحصل بعضهم على منحة الرواد وأبطال الرياضة لعدم امتلاكهم مايثبت ذلك على الرغم من أن جيل الأمس لاينسى تميزهم وبطولاتهم 

مشكلة رياضيينا ومبدعينا عموماً أنهم لايهتمون بالأرشفة التي تؤرخ لمراحل حياتهم وجيل اليوم والغد هم أحوج للاطلاع على سيرهم وإبداعهم ومنجزاتهم الأدبية والثقافية والفنية والرياضية وغيرها  وسط التدفق الإعلامي عبر تقنيات اليوم أصبح تداول المعلومات متاحاً لكل الأعمار لمعرفة ما سجله هذا النجم من أهداف وكم تبلغ حصيلته التهديفية ومن ينافسه وما إلى ذلك من تفاصيل لم تعد شحيحة في ظل العولمة ونحتاج محلياً إلى تدوين رحلة أجيال لم تكن الأرشفة الرياضية تطرق أبوابهم أليس كذلك؟