علي حمود الحسن
أيقونة سينمات شارع الرشيد، وإحدى معالمه الفريدة، التي تجبرك على الــــوقوف أمامها، وتأمل واجهتها المكتظة بالتفاصيل " العجيبة" مثلما وصفها المتيّم بمعالم بغداد المعمــار الدكتور خالد السلطاني.. سينمـا الزوراء التي شيّدها ضابط يهودي متقاعد من الجيش العثماني، يدعى إلياس إبراهيم دنوس في العام 1936، تصارع من أجل البقاء، اذ تحولت إلى مخازن للأدوات التجزئة والزيوت، بينما انتصب جدار بشع أمامها، أطاح بكل بهجة المكان وتاريخه السعيد.
صالة السينما التي اشتهرت بتمثالين لملاكين في أعلى واجهتها، وهما يحرسان التاج الملكي (ازيل بعد ثورة 1958 كونه يرمز للملكية الغاربة)، تقع في المربعة قريبا من مقهى حمادي الشهيرة وقبالة جامع سيد سلطان علي، حيث شاهد الجمهور العراقي فيها أفلاما أميركية واوروبية وهندية، أشهرها " سبارتكوس" بطولة كيرك دوكلاس، و"الأخوين" بطولة ديليب كوماروغينجنتي مالا، و"شارع الحب" لعبد الحليم وصباح.
تغيَّر اسم هذه السينما العريقة أكثر من مرة، حالها حال سينمات العراق، فهي "الزوراء" في العهد الملكي، و"القاهرة" في العصر الجمهوري، ثم "الشعب" بعد الخلاف الشهير بين حكومة عبد الكريم قاسم والجمهورية العربية المتحدة، لتستعيد اسم "الزوراء"، الذي لازمها منذ التأسيس وحتى يومنا هذا.
الكثير من الدلائل تشير إلى أن مصمم مبنى الزوراء المعماري العراقي الرائد نعمان منيب المتولي
(1898 - 1961) الذي نفذه بواسطة "اسطوات" بغداديين مهرة عملوا معه في تنفيذ معظم مشاريعه: منهم إبراهيم العبطة، والماز، وحمودي.. المتولي الذي درس في تركيا، وتأهل هندسيا في بغداد، عمل مساعدا للمعماري الإنكليزي جميس م. ويلسون(جامعة آلبيت، مبنى مطار المثنى، المحطة العالمية )، استلهم المتولي معمار الزوراء "المختلف" من تصميم سينما يونفيرزوم في برلين، التي أبدعها المعمار الالماني الانطباعي اريخ مندلسون عام 1927، اذ عمد المعمار الأول في العراق إلى تخطيط "المبنى الداخلي على شكل نصف دائري بثلاثة طوابق؛ الأول والثاني يضم " 8 مقصورات"(لوج)، في ما صمم الطابق الثالث ليكون أوسع من الطابقين، وبلغ عدد مقاعدها 700 كرسي، غالبا ما كانت تخصص المقصورات للإنكليز، والنخبة من علية القوم في أيام السينما الأولى، وبتزايد الاقبال الشعبي صارت متاحة لعامة الناس، ولا سيما أن ثمن تذكرتها لا يتجاوز الثمانين فلسا، فكانت الأسر تفضلها، وكذلك العشاق الذين يتزودون بـ "الكرزات" والمشروبات الباردة، التي "تحلى" مع الفيلم، الطريف أن هذه "الوجات" تغلق بمفتاح يسلّم للزبون.
وروى باحث وشاهد عيان أنه كان سائرا أمام سينما الزوراء، فسمع بوابها ينادي بأعلى صوته" تعالوا اليوم عدنا اكبر أفلام هندية مال جابك والي وعنتر ، وبيها طرزان والشادي ومغامرات الولد وارفيجته، يالله طبوا يا جماعة"، فصادف أن مرّ أحد الشقاوات "الشنكة" فوجه إليه البواب النداء تلو النداء ليختمها بالقول :" يالله طبوا راح اشغل " فما كان من الشقاوة، إلا أن أخذ بتلابيبه وهو يصرخ" ولك أني لازمك ..اتشغل السينما ما تشغل ايطبك مرض"، وكاد يجعله فرجة لأمة محمد، لولا تدخل المارة الذين "خلصوه بالشافعات"