{نابليون} فيلم مُكَرَّسٌ لتفكيك أسطورة الامبراطور

ثقافة 2023/12/25
...

  مبارك حسني
تضاربت الآراء حول فيلم "نابليون" لريدلي سكوت لدى نقاد السينما الفرنسيين، الذين لهم زاويتهم النقدية في أكبر الصحف والمجلات الفرنسية. لكن العنوان الأبرز الذي يجملها في غالب الأحيان، رغم تثمين التعامل السينمائي، هو الخيبة.
فقد أخلف الشريط أفق الانتظار، خاصة من لدن مخرج عُهد فيه أن يخلق المفاجأة الجميلة في أفلامه السبعة والعشرين التي أخرجها سابقا، باختلاقه عوالم سينمائية خاصة به. فلم يحقق الكثير مما كان متوقعا، ليس من حيث الشكل الفني المعتمد والمعهود لديه، المتسم بالفرجوية الممتعة في أبعادها الكبرى، ولكن من حيث القيمة الإضافية للفيلم المُراد توصيلها، والتي لم تخرج عن إطار هوليوودي جماهيري كلاسيكي. وكان بالإمكان تجاوز ذلك في رأيهم، لولا أن الصورة التي رُسمت لإمبراطور فرنسا الكبير المُعد في صف الإسكندر الأكبر وقيصر روما، لم تحضر قط بالنسبة لهم في ثنايا الفيلم، أو تمَّ تقزيمها بشكل مُتعَمَّد. فحضرت في جل الكتابات مُنَاكَفَة التاريخية القديمة بين الانكليز والفرنسيين، وحضر التعامل المُبتَسَر مع التاريخ.

شخصية بعيدة عن الواقع
فتَحْتَ عنوانا دالًا هو "هضبة كئيبة وميلودراما في رحاب الامبراطورية"، كتبت لوفيغارو اليمينية وأقدم يومية فرنسية على لسان ناقدها، بأنه كان الأجدر بالمخرج أن يُسمي فيلمه بكل بساطة "نابليون وجوزفين"، لأن حكاية الفيلم جد مختزلة، وتتناول كجزء رئيسي من الشريط العلاقة المتوترة بين الإمبراطور وزوجته جوزفين. فقد صُوَّر كرجل يستسلم للمتعة الجسدية فقط ليستيقظ أكثر استعداداً للحرب في اليوم التالي.
وهكذا لا يعدو أن يكون هذا العمل السينمائي سوى سردٍ لما جرى للجنرال "الديوث" الذي يعود إلى فرنسا لإخضاع زوجته الخائنة. يسميها هو بالخنزيرة، وتصفه هي بـالوحش، تتخلله مشاهد طويلة لوقائع حروبٍ صُورتْ بشكل يجلب الفرجة للعين لا غير. ولم يفت الجريدة التذكير بالأخطاء التاريخية الواردة في الشريط الإعلاني. ففي أحد المشاهد التي تناولت معركة حول الاهرامات في مصر، يقدم ريدلي سكوت لقطات قذيفة مدفع تنغرس في أعلى هرم خوفو. وهو حدث غير صحيح، فالمدافع في ذلك الوقت كانت قادرة على إطلاق النار على مسافة 800 متر فقط. والمعركة في حد ذاتها، جرت فعلياً على بعد حوالي خمسة عشر كيلومتراً من الأهرامات. ثم إن نابوليون لم يكن يتقدم الجيوش خلال المعارك، فغالبًا ما يظل خلف قواته أثناء الهجمات.
الناقد السينمائي في صحيفة لومانيتي اليسارية عنون مقالته ب "«نابليون» لريدلي سكوت، نزوات إمبراطور طفل"، بحيث صوَّره كرجل مريض وعصبي ومتغطرس ومتقلب المزاج، ولا عقلاني كعسكري، وضحية لنزواته الحسية. فيقول بأن "المخرج العجوز البالغ من العمر 85 عامًا، تسلق جبل نابليون، بِنيَّة مُعلنة، على الأقل أثناء الصعود، هي التخلص من أسطورة مجده، طفل صغير جعل لعبة الجنود تدوم لفترة أطول من اللازم، فنثر تماثيله الصغيرة في جميع أنحاء خريطة أوروبا المشتعلة بالنار والدم" ويؤكد بأنه فيلم هوليوودي ولم يعرف ريدلي سكوت كيف يمسك حقيقةً بشخصية نابليون. وهو نفس رأي ناقد الجريدة الأشهر، لوموند، الذي يرى بأن ريدلي سكوت وجد صعوبة في الوصول إلى بطله.
وترى المجلة الأسبوعية المتخصصة "ليزانكوريبتيبل"، بأن الفيلم مجرد عرض غريب وغير مثير للإعجاب بشكل عام (باستثناء مشهدين مثيرين من المعركة)، ومقاربة مخيبة للآمال تمامًا لحياة الإمبراطور. هو فيلم مُكَرَّسٌ لتفكيك أسطورة نابليون.
نابليون بونابرت الآخر
وفي السياق ذاته تحسرت على وجهة النظر هذه المعاكسة للتاريخ، المُختلقة له، كرجل ليس في مستوى المجد الذي وصل إليه هو الذي" آثار عهده لا تزال موجودة في كل مكان في التراث العالمي" والتي تم محوها سينمائيا. الناقد السينمائي في جريدة العاصمة باريس، لوباريزيان، تحسَّر هو بدوره على هذا التقليص المَعيب، وذكر ضمن ما ذكر تصوير ريدلي سكوت للحملة المصرية، التي دامت لمدة ثلاث سنوات، ولا تستغرق سوى دقيقتين على الشاشة. أما المجلة الأسبوعية لوبوان، فقد رأت بأن الصورة المُقدَّمة في الفيلم لبونابرت صورة كاريكاتورية.

الخلاصة
يبقى فيــــلم ريدلي سكوت، نسخة سينمائية أخرى لا غير. فمنذ بداية العقد الأول من القرن العشرين، تم إخراج حوالي عشرة أفــلام كل عام، وهو ما جعل من الامبراطور بطلًا سينمائيًا منذ اختراع السينما. هذا بعد أن كان شخصية تاريخية كبيرة دخلت مجال الأسطورة التي لا تزال ليس فقط تُغذي المخيلة الروائية والسينمائية، بل يُستشهد بها. لكنه هنا، حسب العديد من النقاد، هو في كل الأحوال شريط أكشن ممتع، شريط عن الحرب مُتْقن جدا، في النسخة الموجهة للقاعات.