سرور العلي
غالبا ما تتهم الأناث بالغيرة وتنسب لهن تلك الصفة أكثر من الذكور، بالرغم من أن الموضوع لا يفرق بين الجنسين من ناحية انتشاره ووجوده، لكن قد يتخذ شكلا مختلفا عند كلاهما. يشعر الشاب أحمد حبيب بالضيق والارتباك، ويبدي حماسة مزيفة كلما سمع خبراً سعيداً عن أحد أصدقائه، ويحاول التقليل من إنجازاتهم وأهميتهم، وكل ذلك لكبح مشاعر الغيرة منهم. في حين يعاني علي مصطفى من الغيرة الشديدة من أحد أصدقائه، كون هذا الصديق يعمل بوظيفة جيدة، تدرُّ عليه راتباً شهرياً ممتازاً، ويتمتع باستقرار أسري.
إذ يقوم والده بتشجيعه وتقديم له كل ما يحتاجه، ويحظى بإعجاب واهتمام بقية الأصدقاء، في حين يشعر علي بالضياع، كونه غادر مقاعد الدراسة باكراً، ويعيش وسط أسرة مفككة، إضافة إلى أن بعض الأصدقاء لا يرحمونه بكلماتهم المسيئة، ويتنمرون عليه من حين لآخر، ما يضطره أحياناً إلى استخدام سلوكيات مؤذية، تغذّي من آفة الغيرة وعقدة النقص بداخله.
وترى المعلمة زهراء عباس أن غيرة الأصدقاء لها مؤشرات كثيرة ومنها، عدم وجود الدعم والتشجيع، وتولد المشاعر السلبية من أجل زرع بذور الإحباط بداخلهم، ومنعهم من إكمال ما يرغبون به ويخططون له من تحديات وطموحات، وهنا يمكننا معرفة الأصدقاء الحقيقيين من المزيفين، كذلك نجد في بعض مجالس الشباب كثرة النميمة على أحد الأصدقاء، وتمني زوال الخيرات التي ينعم بها، وغالباً ما تفسد تلك الغيرة اللحظات السارة بينهم، كونها مشاعر خالية من الحب والخير للآخر، وبالتالي تشوب بعض علاقات الصداقة الزيف والحقد.
يقول الموظف وسام فؤاد إنه بالرغم من وجود كثير من هؤلاء الأصدقاء، الذين لا يتحكمون بمشاعر الغيرة تجاه أصدقائهم، إلا أنه بالنسبة له فلا يتمنى الا الخير والسعادة لهم، فهو يقف معهم في أحزانهم وأفراحهم، ويلبّي ما يحتاجونه، ويكون لهم عوناً وسنداً وقت الظروف
القاهرة.
مضيفاً “يمكننا تحويل مشاعر الغيرة السلبية تلك إلى إيجابية، من خلال تقليد الأصدقاء الناجحين، والوصول إلى الأهداف والأحلام المخطط لها، والتعلم من تجاربهم، وصنع التميز، كما يمكن تنمية مهاراتنا وقدراتنا بدلاً من الغيرة والحسد من الأصدقاء المقربين”.
الدكتورة شذى قاسم، باحثة اجتماعية أوضحت:”بالنسبة للغيرة بشكل عام فهي تشمل الطرفين، وهو شعور فطري يظهر من خلال سلوك الشخص سواء كان رجلا أو امرأة، لكن بدرجات متفاوتة، وتكون بشكلٍ أقل عند الرجال، وهو موجود منذ الأزل وليست جديدة، حين حدثت جريمة قابيل وهابيل، فكانت بسبب الغيرة، وتختلف من شخص إلى آخر، بحسب شخصية كل فرد، وقد تكون الغيرة عند الشاب مؤشر إيجابي في بعض الأحيان، إذا كانت غيرة من العمل فتدفعه للتنافس أو محاولة الوصول للنجاح الذي وصل إليه الآخر، وأحياناً تتحول إلى مؤشر سلبي، فتصبح حقدا وغلًا وتصل للإجرام إذ كانت نفسية هذا الشخص غير متزنة، وربما إلحاق الأذى بالصديق لتقمص شخصيته، وهذا بالتأكيد ناتج عن خلل نفسي، بسبب قلة الثقة بالنفس أو ضعف الشخصية، وعدم تحقيق الطموح، ولأسباب اقتصادية أو اجتماعية ما يجعل منه إنسانا ضعيفًا وغير ناجح، فيحاول دائماً الوصول إلى مكانة أعلى مما يستحقها”.
مضيفة” وتختلف الغيرة بين الجنسين، فالفتيات عادة ما تكون غيرتهن سطحية وغير عميقة، فقد تكون من مظهر وهيئة فتاة أخرى أو زميلة في العمل، أو الغيرة من نجاحها أو ارتباطها بزوج وسيم وجذاب، أو أنها سعيدة بحياتها العامة، بسبب إمكانية اقتصادية ، وهذه مؤشرات تختلف عما موجود لدى الشاب، وفي كل الأحوال سواء كانت غيرة الشباب أو البنات، فهي غير صحية نفسياً، لأنها عادة ما تكون لدى أشخاص غير متصالحين مع أنفسهم، فيتركون حياتهم وشؤونهم الخاصة، ويتجهون للاهتمام بحياة الآخرين، وتقمّص
شخصياتهم”.
واقترحت مروة مشالي، أخصائية نفسية بعض الحلول لتلك الغيرة بقولها: “الهدف الأساسي الذي نسعى له هو أن يكون للفرد بناء نفسي سليم، لأن أساس تكوين مشاعر الغيرة من الأصدقاء هي البناء النفسي الهش وقلة الوعي، لذا نذكر بعض الحلول لهذه المشكلة ومنها، تحديد الفرد لمشاعره والاعتراف بها، ومحاولة معرفة سبب الغيرة من أصدقائه، لإيجاد حل يساعده على التخلص منها، وجود القدوة الحسنة والنموذج الصحيح في حياة الفرد، الذي يقتدي به ويتعلم منه السلوك الصحيح من أب أو أم وغيرهم من المقربين منه، وضرورة تجنب المقارنة السلبية، وهي التي تكون بين الفرد والأصدقاء من حوله، والتركيز على المقارنة الإيجابية، وهي مقارنة الفرد بذاته ومدى تطوره خلال فترات حياته، والتوعية وتتم من خلال بيان الحقيقة وراء ما نراه على الأفراد والأصدقاء والظاهر منهم، وبخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي وعدم التأثر بهم، لأن حقيقتهم غير ما يظهر منهم، والتي تتسم بالمثالية المزيفة، والعمل على زيادة الثقة بالنفس والامتنان لما نملك من سمات، سواء كانت مادية أو معنوية، وهي سر تفردنا وتميزنا عن من حولنا، وبحسب المرحلة العمرية بالامكان استخدام وسائل مختلفة، لزيادة الوعي عند الأبناء، ومنها القصص التي تعزز الرضا والقناعة والامتنان، أو النقاشات والجلسات الأسرية، ونخصُّ منها العلاقة بين الفرد وأحد والديه، وفي حالات الغيرة الشديدة التي تعيق الفرد عن الاستمتاع بحياته ونعمه، يستوجب اللجوء إلى مختص نفسي، لتحديد شدة الحالة وأسبابها، ووضع خطة إرشادية مناسبة له، وصولاً به إلى درجة مستقرة من الصحة
النفسية”.