إسرائيل تتوعد بمهاجمة جبهة أخرى

قضايا عربية ودولية 2023/12/25
...

• ماثيو توستيفن
• ترجمة: أنيس الصفار  
ألقت الحرب التي يشنُّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة للشهر الثالث على التوالي بظلالها على أجواء احتفالات عيد الميلاد في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، فقد تقرر عدم إضاءة شجرة الميلاد في ساحة كنيسة المهد كما هو المعتاد، والاستعاضة عن ذلك بمجسَّم لحجم الدمار الذي لحق بالقطاع.
ويمثل المجسم الذي نفذه الفنان الفلسطيني طارق سلع مغارة الميلاد وسط ما بدا أنه منزل مدمر، وأطلق عليه (الميلاد تحت الأنقاض) في إشارة رمزية للدمار الذي يشهده قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، إضافة إلى تماثيل لعائلة فلسطينية في أثناء النكبة.
وقال حنا حنانيا رئيس بلدية بيت لحم خلال حفل افتتاح العمل الفني :"هنا غزة حاضرة، فالمغارة ليست عادية فهي مدمَّرة بفعل القصف، بين جدرانها تحتضن العائلة المقدسة من خلال شكلها الذي يماثل خريطة غزة، والأطفال الذين ارتقوا شهداء كالملائكة تنظر من السماء".
ا ف ب
في البداية جاء صوت الانطلاق المكتوم.. صوت القصف المدفعي من الجانب الإسرائيلي من الحدود اللبنانية صوب من يشتبه بأنهم مقاتلون تابعون لحزب الله.
في ظرف أقل من دقيقة رددت الأصداء دويَّ انفجارات قنابل الهاون التي سقطت قرب الموقع الإسرائيلي الحصين المقام قرب السياج فوق سلسلة التلال الممتدة بين الدولتين.. وعلى الفور تسابق الجنود إلى داخل المخابئ الكونكريتية.
يقول الرقيب "بين" من قوة المظليين الإسرائيلية، الذي لم يكن مخولاً بإعطاء لقبه، متحدثاً من داخل أحد المخابئ: "لقد تعرضنا لقصف ثقيل جداً بقذائف الهاون على امتداد الحدود، وقد كانت الانفجارات تتوالى فوق رؤوسنا تماماً".
لم تقع إصابات جرَّاء النيران التي أُطلقت على الموضع يوم الأحد، وفي وقت لاحق نسبت وكالة رويترز إلى حزب الله قوله إنه قد أطلق النار على سلسلة أهداف إسرائيلية على طول الحدود.
إطلاق النار هذا بات حدثاً يومياً، قرب موقع "دافورنيت" الحدودي على الأقل، حيث بدأت الهجمات بالتصاعد على طول الحدود منذ الهجوم غير المسبوق على إسرائيل الذي شنَّته حماس في يوم 7 تشرين الأول انطلاقاً من قطاع غزة، ومن المعلوم أن حركة حماس حليف لحزب الله في إطار "محور المقاومة" ضد إسرائيل.
هذا الحدث يؤشر أسوأ أعمال عنف تشهدها الحدود منذ غزو القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان في حرب 2006 ضد حزب الله.
لكن في الوقت الذي تشنُّ فيه إسرائيل أوسع حرب لها منذ عقود داخل غزة الواقعة إلى الجنوب يقول الجيش الإسرائيلي إن الاستعدادات قد اتخذت للانتقال من "وضع الدفاع" وفتح هجوم واسع النطاق إلى داخل لبنان إذا ما فشلت الدبلوماسية في وقف هجمات حزب الله وضمان عدم تمكّن الجماعة الشيعية من تهديد هذه المنطقة الزراعية من إسرائيل التي أخليت حالياً من عشرات الألوف من ساكنيها.
يقول المقدم "جوناثان كونريكوس" في حديث مع الصحفيين خلال زيارته للمنطقة الحدودية قرب كيبوتز "روش هانيكرا" شبه المهجور حالياً: "اعتقد أن ثمة فرصة للسلام أو الاستقرار، ولكن إذا لم تفلح هذه الإجراءات فإن الجيش الإسرائيلي، بصفته القوة المدافعة عن دولة إسرائيل، سوف يتكفَّل بضمان سلامة المدنيين الإسرائيليين. الجيش الإسرائيلي مستعد، ورئيس الأركان قد أقر الخطط وحدد جداول زمنية
للتأهب".
يمضي كونريكوس مضيفاً أن خمسة مدنيين إسرائيليين وتسعة جنود قد لقوا مصرعهم قرب الحدود منذ 7 تشرين الأول جرَّاء ما يقارب 1000 هجوم بالصواريخ والقذائف المضادة للدبابات وهجمات الطائرات المسيَّرة وقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة. ومن جهة أخرى قالت رويترز إن 94 مقاتلاً من حزب الله و17 مدنياً كانوا من بين 130 شخصاً على الأقل قتلوا في لبنان خلال الفترة نفسها.
تفيد تقارير السلطات في الأراضي الفلسطينية التي تديرها منظمة حماس بأن ما يقارب 19 ألف فلسطيني قد قتلوا جرَّاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، في حين قتل 1200 إسرائيلي في بداية هجوم حماس وأكثر من 100 جندي لقوا حتفهم في غزة. بالإضافة إلى ذلك تحتفظ حماس بعشرات المحتجزين الإسرائيليين. تنظيم حزب الله أكبر بكثير من حركة حماس وهو أفضل تسليحاً بمراحل – إذ تقدر إسرائيل ترسانة الحزب بنحو 200 ألف صاروخ. كذلك هناك توقع بأن يؤدي اندلاع أي حرب حدودية واسعة النطاق إلى اشتعال المنطقة، وهذا بدوره ينطوي على خطر وقوع مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، حليفة إسرائيل التي أرسلت حاملتي طائرات إلى المنطقة في أعقاب الهجوم الأولي الذي شنَّته حماس في استعراض للقوة.
في الاسبوع الماضي دافع نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، عن الحملة التي تشنُّ ضد إسرائيل واصفاً إياها بأنها واجب.
قال قاسم عبر الموقع الرسمي للحزب: "نحن لن ننحني لأي إشارة تصدر من جهة تتحدث عن التسوية أو التوهين أو التخلي عن هذا السلاح. قوتنا هي التي سمحت لنا أن نعيش في وطننا مستقلين مرفوعي الرؤوس، وهي التي تجعلنا قادرين على مواجهة التحديات ووضع حد للوحشية التي تنمو
وتنتشر".
أما إسرائيل فإن الضغوط تشتد عليها كي تضع حداً للتهديد الآتي من الشمال جرَّاء فرار 86 ألف من سكان تلك المناطق أو تلقيهم أوامر بالخروج منها بعد أحداث 7 تشرين الأول تحسباً لقيام حزب الله بهجوم مشابه على عدة نقاط ويفضي الأمر إلى أعمال قتل واختطاف.  تلك المنبسطات الخضراء المنحدرة جنوباً من خط الحدود، المكسوة بأشجار الصنوبر الصخري والأحراج، هي في العادة من أعلى مناطق إسرائيل انتاجاً، فمنها تأتي 70 بالمئة من البيض، ومزارع الفاكهة فيها تنتج التفاح والبرتقال والكيوي والموز. المزارع في منطقة الجليل يتولى رعايتها المتقاعدون أو متطوعون من المراهقين الذين يأتون بالحافلات ليقضوا يوماً هناك كمقيمين في الفنادق أو مع العوائل أو مع أصدقاء لهم.
غزت إسرائيل لبنان في العام 1982 بعملية أُطلق عليها "عملية سلام الجليل" في أعقاب الغارات المتكررة التي كان يشنها فدائيون فلسطينيون، ولم تنسحب منها تماماً إلا في العام 2000. وفي العام 2006 عادت القوات الإسرائيلية إليها بعد قيام حزب الله باختطاف جنديين في غارة عبر الحدود. قتل في تلك الحرب التي استمرت شهراً أكثر من 1000 لبناني، حسب ما ورد في التقارير، وأكثر من 160 إسرائيلياً.
وفقاً لبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي صدر حينها، كان يفترض أن يصبح لبنان منزوع السلاح من نهر الليطاني حتى الحدود الإسرائيلية، باستثناء جنود الجيش اللبناني وقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان البالغ تعدادها 10 آلاف فرد.
يقع نهر الليطاني على مسافة 24 كيلومتراً تقريباً إلى الشمال من موقع "دافورنيت" الحدودي، وإن كان يقترب من الحدود في بعض النقاط إلى مسافة تقل عن 5 كيلومترات.
يقول كونريكوس: "اليوم قضي على القرار 1701 وأفرغ من محتواه على يد حزب الله ولم يتبق منه شيء على الأرض." متهماً الحزب بإطلاق النار من مناطق قريبة من مواقع مرابطة وحدات الأمم المتحدة والجيش اللبناني لاجتذاب النيران الإسرائيلية نحوهم.
يقول المتحدث باسم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان "أندريا تينينتي": إن قوة حفظ السلام تشعر بقلق عميق إزاء تصاعد العنف ونبرة الخطاب.

• عن مجلة "نيوزويك"