علي حسن الفواز
اتسع العدوان الصهيوني في غزة، فانكشفت عوراته الستراتيجية والأخلاقية، وحتى السياسية، فإذا كان الهدف منه هو تصفية المكان الفلسطيني، والذاكرة الفلسطينية، فإن ما جرى في الواقع، وفي مجريات المواجهة أكدا على حقيقة وجود المكان وتاريخيته، وعلى سطوع الذاكرة وتحفّزها الوجودي والإنساني.
قرار مجلس الأمن الأخير بزيادة تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، كشف عن العورة الأخلاقية للموقف الأميركي الرافض لإيقاف إطلاق النار، وتحدي الإرادة الدولية الضاغطة لمنع استمرار العدوان الوحشي الذي دخل مرحلة الهستيريا، والذي جعل فضائح السياسة الصهيونية مكشوفة للعالم، ولكل الدول التي تحترم حق الشعوب بالحرية والسيادة والاستقلال، ولعل ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول مقارنة الحصار الصهيوني لغزة بحصار النازيين لمدينة "لينينغراد" السابقة، يكشف تشابه الصور التاريخية لتشابه مسارات العدوان والحصار والتوحش.
من جانب آخر، فإن تراجع "القوات الصهيونية" عن بعض مناطق القطّاع، لاسيما "لواء غولاني" كشف عن حجم الخسائر الكبرى التي تعرّضت لها، فضلاً عن ما كشفه شهود بالعثور على "عشرات الجثامين لفلسطينيين بعضهم نساء وأطفال ملقاة بالطرقات بعد أن قتلتهم القوات الصهيونية بالقذائف وصواريخ الطائرات المسيرة والقنص بالرصاص الحي" وبهذا فإن الجريمة الصهيونية باتت فضيحة كبيرة تخشى الولايات المتحدة والدول الداعمة للعدوان كشفها للرأي العام.
البحث عن انتصارات وهمية عبر توسّع العدوان تحوّل إلى كابوس، وإلى سياسة اكراهية تمارسها الحكومة الصهيونية، وتفترض أن مواصلة هذا العدوان سيُحقق هذه الرغبة السوداء، في الوقت الذي تغيرّت فيه موقف كثير من الدول، واندفعت إلى الإعلان الصريح عن رفضها استمرار جرائم القتل العنصرية، لأن ما يجري على الأرض لا علاقة له بـ"الدفاع عن النفس" بقدر ما يعني سلوكاً "جيوعسكرياً" له أهدافه الستراتيجية في السيطرة على الجغرافيا، لتغيير التاريخ، ولفرض الأمر الواقع عبر سياسات المحو والتذويب، وتحويل الأرض إلى مقبرة للتاريخ الفلسطيني.
هذه الممارسة النازية جعلت الكيان الصهيوني أمام معطيات لم يستطع مع الولايات المتحدة السيطرة على إيقاعها، ليس بسبب الفشل العسكري، وسوء إدارة العدوان فحسب، بل بسبب نزع "ورقة التوت" عن نوايا "الدولة العبرية" وعن توجهاتها الخارجة عن قيم العصر، وعن قيم "الحداثة" التي تسعى دول "الغرب الديمقراطي" إلى تكريسها، حيث أضحى العدوان هو فضيحة "اللاحداثة" والعودة بالعالم إلى أشكال بدائية للعنف والكراهية وثقافة الكهوف.