باتريك موديانو: الكتاب الجيد يصنع ناساً جيدين

ثقافة 2023/12/27
...

ترجمة: نجاح الجبيلي

كاتب روائي فرنسي ولد عام 1945 وهو معروف بالرواية التلقائية، وهي مزيج من السيرة الذاتية والرواية التأريخية، حائز على جائزة نوبل للآداب عام 2014 عن رواياته: في مقهى الشباب الضائع- 2007، المفكرة السوداء- 2012، نوم الذاكرة-2017، الحبر السري-2019، مشهد جريمة-2021.

• ما هي الكتب الموجودة على منضدتك؟
هناك أكوام من الكتب التي أقرأها غالباً، وهي الكلاسيكيات. لكن اغفر لي فأنا أكتب حالياً كتاباً وأستطيع أن أعطيك إجابات وجيزة فقط.
هل يمكن لكتاب عظيم أن يكون مكتوباً بطريقة سيئة؟ وما هو المعيار الذي يتغلب على النثر الرديء؟
كلا. فالكتاب العظيم لا بدّ من أن يكون ذا أسلوب وموسيقى لا يمكن نسيانهما.
• ما هي الكتب التي منحتك تجربة قرائية جيدة؟
هناك الكثير. منها كتب لستندال وبلزاك وتولستوي وتشيخوف وملفيل وكل كتاب القرن التاسع عشر. وأضيف إلى هؤلاء كتاباً من القرن الثامن عشر: أب بريفوست، رستيف دو لا بريتون، ومذكرات دوك دو سان سيمون... إلخ.
• مَنْ هم كتّاب القرن العشرين- روائيون مسرحيون نقاد صحفيون- الذين نالوا إعجابك؟
منذ أن كنتُ في السادسة عشرة أعجبتُ بأرنست همنغواي وكارسون مكلورز وتشيزره بافيزي ومالكولم لوري والشاعر و.ب. ييتس ورواية “الجبل السحري” لتوماس مان.
• من هو كاتبك المفضل الذي لم يسمع به إلا القليل من الناس؟
كان هناك كاتب شاب التقيته وأعجبتُ به، اسمه تريستان إيغولف، وهو في رأيي من أفضل كتاب جيله. دخلتُ الغرفة في المساء خلال شتاء عام 1995، وكانت على المنضدة كومة من الصحف. كان هناك عدد لا يحصى من التصحيحات، مع كلمات متقاربة جداً. وأفكّر في الكتابة المجهرية (الميكروسكوبية) لكاتب آخر أحبه وهو روبرت واسلر. كانت هناك أكثر من 400 صفحة لروايته الأولى. قرأت زوجتي المخطوطة قبل أن أقرأها أنا وأكدت حدسي. شعرتُ بأنّ هذا الشاب الذي يبلغ الثالثة والعشرين ربما ينتمي إلى كتّاب شبيهي واسلر الذين يرقص نثرهم مثل البالارينات الصغيرات اللاتي بحسب ما يقول واسلر:” يرقصن إلى أن يتعبنَ تماماً ويصبنَ بالانهيار”. أنا متأكد من أن ترستان إيغولف سوف يجد مكانه المناسب بين عظماء الأدب الأمريكي لكونه شهاب جيله.
• أنت أول كُتَّاب ما يسمّى “الرواية التلقائية” الذي يفوز بجائزة نوبل، وهو الإنجاز الذي كررتهُ ابنة وطنك آني أرنو. فما هي متطلبات الرواية التلقائية للكتاب الآخرين في رأيك؟
لم أفهم أبداً معنى “الرواية التلقائية”. يبدو لي أن الكتّاب سواء أكانوا روائيين أم شعراء، يستمدون الإلهام مما عاشوه وشاهدوه قبل معالجة المادة وتجديدها.
• من هم الكتاب الذين يجيدون بشكل خاص الذاكرة ودورها في حياتنا؟
معظم الروائيين هم كتاب الذاكرة، على عكس الصحفيين، الذين هم سجناء الحاضر المباشر. حتى لو كتب الروائي كتابًا مستوحى من الحاضر المباشر، فإن هذا الحاضر يُسقط في بُعد آخر، البعد الأدبي، وليس البُعد الصحفي. على سبيل المثال، كتاب همنغواي “لمن تقرع الأجراس”، الذي كتبه عن الحرب الأهلية الإسبانية في نفس الوقت الذي اندلعت فيه الحرب.
والواقع، بمجرد إعادة النظر فيه وحلمه في ذاكرة المؤلف، يكتسب قوة جذب إضافية، صدى، صدى خاصًا لم يكن له في البداية. وهذا يؤكد السحر الذي يلقيه الروائي على قارئه.
• ما هي الكتب التي تنصح بها القارئ الذي يريد أن يعرف شيئاً عن فرنسا؟
لا أعرف كتباً عن فرنسا، لكن عن باريس أنصح بكتاب أمريكي بعنوان “وليمة متنقلة” لأرنست همنغواي.
• وما الكتاب الفرنسيون الذين يستحقون جمهوراً أوسع في مكان آخر؟
“راموز” وهو كاتب سويسري يكتب بالفرنسية ربما يُعد من كبار كتاب النثر الفرنسي وأسلوبه. وآندريه دوتل مؤلف أكثر من 30 رواية في الجنس الأدبي الذي نسميه الواقعية السحرية. وغاستون باشلار كذلك سيد النثر الشعري.
• ما الذي يثيرك أكثر في العمل الأدبي؟
الأسلوب. الموسيقى. ما يثيرني أكثر في أي كتاب هو أن أسمع نفس الصوت يتكلم لي من البداية إلى النهاية.
• هل تفضل الكتب التي تصلك عاطفياً أم فكرياً؟
طبعاً الكتب التي تصلني عاطفياً.
  • كيف تنظم مجموعاتك من الكتب؟
لسوء الحظ يحتاج الأمر إلى العديد من الناس لينظموا مكتبتي. على المرء أن يضع نظام البطاقات، حيث اسم المؤلف والعنوان للكتب سوف يظهر بترتيب ألف بائي. وسوف يشير بصورة رئيسة إلى موقع كل كتاب لأنه أحياناً أقضي ساعات وأياماً وأسابيع وأشهراً وأنا أبحث عن كتاب وأحياناً لن أجده. كتبي في صفين على الرفوف، الصف الأول يخفي الثاني. والكتب الأخرى مكومة في خزانات وأقفاص وحتى في وحدات خزن. في إحدى المرات كان عليّ أن أتخلص من 5000 كتاب لأنه ليس ثمة متسع للاحتفاظ بها. يتوجب عليّ أن أضع لائحة بهذه الكتب لأني لم أعد أتذكر عناوينها. وغالباً ما أبحث عن أحدها من دون أن أدرك أنه لم يعد لديّ.
• ما الكتاب الذي قد يتفاجأ الناس بوجوده على رفوفك؟
كميات كبيرة من دفاتر الهاتف من جميع الأنواع: من باريس من عام 1835 حتى السبعينيات، ومن لندن وبرلين، ودفاتر الهاتف التجارية من الثلاثينيات، ومن مدن في أوروبا، ومن أمريكا، وآسيا، وأفريقيا، وأستراليا وجزر المحيط الهادئ، والسجلات الاجتماعية، أدلة دور السينما والمسارح وقاعات الرقص والموسيقى وما إلى ذلك، التي تظهر فيها عناوين مئات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا.
• ما هو أفضل كتاب تلقيته كهدية؟
لسنوات عديدة، أعطتني زوجتي نسخة من كتاب “مانون ليسكاوت” بقلم آبي بريفوست، بمناسبة عيد ميلادي، في كل مرة في طبعة مختلفة.
• أي نوع من القراء كنت عندما كنت طفلا؟ ما هي كتب الطفولة التي تلتصق بك أكثر؟
كثير من الناس في جيلي يقرؤون كثيرًا وهم أطفال (لا يوجد تلفزيون ولا إنترنت). أحببت “جزيرة الكنز” لروبرت لويس ستيفنسون، ومارك توين، وهانز كريستيان أندرسن، و”سجين زندا” لأنطوني هوب، و”البمبرنيل القرمزي” للبارونة أوركزي، و”حكايات القطة الجاثمة” لمارسيل أيميه، و”الفرسان الثلاثة” لألكسندر دوماس. “.
• هل للكتب وظيفة أخلاقية من وجهة نظرك؟ وكيف؟
الكتاب الذي يحركك أو يثيرك بعمق يجعلك شخصًا أكثر حساسية، وبالتالي يجعلك شخصًا أفضل. وهذه هي وظيفتها الأخلاقية.
• أنت تنظم حفل عشاء أدبي. من هم الكتّاب الثلاثة، أحياء كانوا أو أمواتا، الذين تدعوهم؟
لا أدري إن كان من الممكن تنظيم “حفلة” أدبية يدعى إليها 20 كاتباً، كما ينظم لقاء لأعضاء النادي. أخشى أن هؤلاء الكتاب، ما لم يكونوا أصدقاء بالفعل، لن يكون لديهم الكثير ليقولوه لبعضهم البعض. التقى جيمس جويس ومارسيل بروست ذات مرة عندما تمت دعوتهما لحضور حفل في باريس، وبحسب ما ورد كان هذا هو التبادل الوحيد بينهما:
“إنها تمطر.”
“هل لديك مظلة؟”
“لا.”
“وأنا كذلك.”