الموسيقى العراقية قبل إسدال الستار

ثقافة 2023/12/27
...

سامر المشعل

قبيل إسدال الستار على العام 2023 تحرضنا هذه الايام لمراجعة سنة انقضت من أعمارنا في مضمار لعبة الايام، وعادة ما تميل النفس الانسانية مثلما يقول علماء النفس إلى تذكر الأيام الجميلة والسارة وتلفظ على نحو غريزي المواقف الموجعة والأليمة.
فإننا سوف نقوم بمراجعة نقدية متجردة نقلب فيها صفحات العام الماضي وأهم الأحداث والظواهر الموسيقية التي طرأت بالمشهد الفني بمؤشراتها السلبية والايجابية.
في العام 2023 لمسنا هناك انحساراً بالأغاني التي كانت تتدفق بسيل عارم من قبل المطربين الشباب، وتتسم بالسذاجة والرداءة المخلّة بالذوق العام وبتاريخ الأغنية العراقية وهويتها الرصينة، ويبدو أن الانتقادات، التي وجهت إلى صناع هذه الأغاني أتت ثمارها إلى حد ما، وأخذت تؤثر في طبيعة عملهم، وأن الجمهور أخذ يملُّ ويمجُّ هذه الأغاني، وهذا مؤشر إيجابي في تعديل مسار الأغنية، بل نجد أن الملحنين الشباب اتجهوا بالتعامل مع المطربين الكبار في بادرة لأول مرة تحدث، إذ تعاون الملحن نصرت البدر مع الفنان سعدون جابر في أغنية "أحلى سنين"، ومع الفنان حميد منصور في لحن جديد سيظهر قريبا، وسبق للملحن نصرت البدر أن تعامل مع الفنان الراحل ياس خضر، وتعامل الملحن سيف عامر مع الفنان محمد الشامي.. وغيرها.
وبنظرة متفائلة تبعث الأمل والارتياح نجد أن جمهور السيمفونية العراقية الوطنية في تصاعد متواصل وهم يملؤون قاعة المسرح الوطني بمشهد يسر الناظرين، يشع بالبهجة والتحضر ويؤشر إلى ذوق عال بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية.
وبخط موازي لانتعاش الخطاب الجمالي ذهبت فرقة التراث بقيادة المايسترو علاء مجيد للاغتراف من درر التراث الغنائي العراقي، باقامة أكثر من مهرجان غنائي، اختص بتقديم التراث العراقي باساليب عزف جماعية بصيغ حديثة، تفاعل الجمهور معها على نحو ايجابي وساهم في نجاحها.
ونجح الموسيقار مصطفى زاير في رهانه، وهو يقدّم كل عام حفلا موسيقيا متنوعا، وراح يستقطب جمهورا متلهفا لسماع موسيقاه، وهو يقطع التذاكر والوقت من أجل الالتذاذ، بما تجود مخيلته الموسيقية من ابداع متجدد، وكان آخر حفل لزاير الشهر الماضي مع فرقة شغف على مسرح الرشيد، وحظيَّ بإقبالٍ جماهيري كبير اضطره أن يمدد حفله ليومين متتاليين.
ويبدو أن الاستقرار السياسي النسبي في الواقع العراقي آخذٌ يرمي بظلاله على الواقع الفني، فأخذت مساحة السطحية والابتذال تتقلص نحو الانتاج النوعي، ويؤثر في توجه الجمهور ويسهم في ارتفاع منسوب الذوق العام.