نهاية الحرب أم نهاية أوكرانيا؟

قضايا عربية ودولية 2023/12/31
...

• د. فلاح الحسن

مع قرب حلول الذكرى الثانية لبدء الحرب الروسية الأوكرانية فان المستجدات السياسية والاقتصادية المتزامنة مع التقدم الذي يحرزه الجيش الروسي على جبهات القتال ومواقف بعض أعضاء حلف الناتو (NATO) يجعل وضع أوكرانيا حالياً أو في المستقبل القريب صعباً جداً إن لم يك كارثياً، وخاصة بعد فشل الرئيس فلاديمير زيلينسكي في الحصول على التمويل اللازم من الكونغرس الأميركي. هذا الحال بالضرورة سينعكس سلباً على الوضع في جبهات القتال ما يؤدي إلى فقدان مناطق ومساحات جديدة لصالح موسكو.
إنَّ وقوع كييف بين كماشة الجيش الروسي ووقف أو خفض أو تأخير التمويل الغربي يجعلها بين خيارين أحلاهما مر: فاما إعلان الهزيمة والقبول بشروط موسكو أو خسارة أراض ومدن جديدة، بالإضافة لسقوط المزيد من الضحايا في صفوف الجيش وتدمير المتبقي منه، والقضاء بشكلٍ كاملٍ على الاقتصاد الأوكراني المترنح ونتائج كارثية مستقبلية في كافة المجالات.  
عسكرياً وبعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد المدعوم أميركياً وأوروبياً بكلِ أنواع الأسلحة المتطورة، وكميات كبيرة من العتاد والدعم اللوجستي والفني، سبقه التدريب والإعداد لعناصر الجيش الأوكراني في أكثر من دولة أوروبية على تلك الأسلحة والتمويل المادي جاءت النتيجة:
• خسارة كييف مناطق جديدة أهمها مدينة (مارينكا) الذي يُعد انتصاراً معنوياً مهماً ويؤمّن عاصمة إقليم “دونيتسك” عسكرياً ويعطي فرصة لاندفاع الجيش الروسي إلى الأمام والسيطرة على مناطق أخرى، في ظل الارتباك السائد في دفاعات القوات الأوكرانية والظروف المناخية الصعبة. كما حقق الروس تقدماً في منطقة “أفدييفكا” شمال غرب دونيتسك، وفي ضواحي “نوفوميخايليفكا”، وشمال باخموت، وسيطروا على الطريق المؤدي إلى “تشاسوف يار”. وكذلك الحال في منطقة “سوليدار” حيث حققت تقدماً في بعض المناطق، بحسب الأنباء الواردة.
• ومن نتائج فشل “كييف” في هجومها المضاد، ايضاً- تأكيد تفوق الأسلحة الروسية على الغربية المتنوعة المستخدمة حالياً في ساحة المعركة وبالذات الألمانية والفرنسية، لانها الأكثر تطوراً لدى هاتين الدولتين، ما يسبب خسارتهما أسواقاً مستقبلية محتملة لهذه الأسلحة
• انكفاء الجيش الأوكراني بعد فقدانه الكثير من عناصره ومعدّاته، وبدء مرحلة عسكرية جديدة تكتيكياً، تتمثل بالانتقال من وضع الهجوم ومحاولة استعادة الأراضي إلى وضعية الدفاع وبناء الخنادق والملاجئ المحصنة على خطوط المواجهة لصد الاندفاع المحتمل للقوات الروسية
• النقص الكبير في أعداد المقاتلين في الجيش الأوكراني نتيجة الخسائر في الأرواح خلال الفترة الماضية وخاصة خلال الهجوم المضاد والذي فشل في تحقيق أي هدف من أهدافه، بحسب آخر التصريحات. وهذا يفسر الإعلان الأخير عن خطة جديدة لتجنيد ما يقارب 500 ألف مقاتل وبضمنهم المعاقون من الدرجة الثالثة لتغطية الحاجة الماسة للعنصر البشري وهو مؤشر خطير على تدهور حالة الجيش في الوقت الراهن، وهناك أخبار عن توجه لتجنيد عدد أكبر من النساء في القطاعات العسكرية الساندة.
• دخول أسلحة روسية جديدة متقدمة مثل مدفعية هاوتزر المُحدثة وطائرات (سوخوي C35) و(سوخوي 57) الجيل الخامس.
• أدى الفشل الأوكراني الى تردد بعض دول حلف الناتو في الوفاء بالتزاماتها في ارسال المزيد من الأسلحة والعتاد الى كييف ما يقلل بالنتيجة قدرتها على تزويد الجيش بالأسلحة المطلوبة لوقف أي تقدم روسي مستقبلاً.
• تدفق الأسلحة الروسية والأعتدة المختلفة الى خطوط القتال بمستويات غير مسبوقة تفوق كل ما تنتجه أوروبا حالياً من أسلحة واعتدة بحسب مختصين.
• حاجة دول حلف الناتو الماسّة للمواد الأولية لصناعة الأسلحة والاعتدة وضرورة البحث عن مصادر جديدة بعيداً عن روسيا المُصَدّر الأول لأغلب هذه العناصر.
• فقدان بعض الأسلحة الحديثة أهميتها على مستوى الردع بعد فترة قصيرة جداً من استخدامها على أرض المعركة، بعد إيجاد المضاد الفاعل لها وفقدانها لفعاليتها، فيما برزت الحاجة لأنواع جديدة من الأسلحة لم تستخدم في الحروب السابقة
كالمسيّرات بأنواعها كافة.
أما على الصعيد السياسي فقد ظهرت عوامل مستجدة وأصوات عديدة تدعو لوقف إطلاق النار والقبول بالأمر الواقع وعدم تقديم مساعدات عسكرية ومالية إضافية لكييف تتقدمهم هنغاريا وسلوفاكيا، وكذلك:
- فوز الحزب اليميني المتطرف في هولندا الذي يرفض إمداد أوكرانيا بالأسلحة الإضافية.
- استمرار الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأميركي حول دعم كييف، وتصريح البعض منهم بصعوبة استمرار الدعم الأميركي المفتوح دون قيد أو شرط. ومن المعروف مسبقاً أن توقف الدعم الأميركي أو تأخره يعني خسارة أوكرانيا الحرب دون شك.
- ظهور بؤر صراع جديدة على الخارطة الدولية وفي مقدمتها حرب (إسرائيل) العدوانية الغاشمة على قطاع غزة أدت الى سحب الأضواء من الصراع الدائر على الأراضي الأوكرانية وتركيزها على الشرق الأوسط، والدور الأميركي السلبي في المنطقة وتدفق الأموال الى الكيان بدلاً من ارسالها لدعم الجيش الأوكراني.
- الإحباط والتعب الذي أصاب اغلب الحكومات الداعمة لكييف وخاصة شعوب هذه الدول بعد فشل الهجوم الاوكراني
المضاد الصيف الماضي.
- ارتفاع مستويات التضخم في العديد من اقتصاديات الغرب ما يؤثر سلباً في استمرار دعم هذه الدول للحرب، ورفض دافعي الضرائب تحمُل فاتورتها الثقيلة يرافقها ارتفاع أسعار الطاقة الذي يؤثر بشكل مباشر
في قطاع الصناعة فيها.
كل هذه المعطيات تجعل أوكرانيا أقرب للخسارة عسكرياً في الوقت الراهن وتجبرها على الانسحاب والتقهقر الى الخلف، كما تُظهر في الوقت نفسه صلابة وتفوق القوات الروسية، رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها، لكن إمكانيات موسكو ومواردها البشرية والطبيعية الضخمة تجعلها أكثر قدرة على التحمل والمطاولة، ما يعني بالضرورة ضعف موقف كييف في حال قبولها التفاوض لوضع حد للحرب وإيجاد المشتركات والحلول الوسط وكلها مشروطة بوقف الدعم الغربي الأميركي.
من جانب آخر، فأن فشل الغرب في تغير القيادة الروسية عن طريق نشر الفوضى في الداخل وتحريك الجهات الممولة خارجياً، او التصفية الجسدية للرئيس فلاديمير بوتين او انهيار موسكو اقتصادياً لتصبح غير قادرة على ادامة آلتها العسكرية، بعد فرض سلسلة من حُزم العقوبات الاقتصادية القاسية وغير المسبوقة، جاء هذا الفشل بنتائج عكسية فابتعدت روسيا عن هيمنة الدولار وهي تعمل على تطوير قطاعاتها الصناعية وبالذات العسكرية منها والاقتصادية بعيداً عن التأثير الغربي، ما يعطيها مناعة أكبر من خلال البحث عن البدائل الوطنية الداخلية لِتُحافظ على استقلال قرارها السياسي.
وبهذا تكون أوكرانيا مخيّرة بين نهايتها كدولة، او انهاء الحرب والحفاظ على المتبقي منها، في حال استمرار خفض أو وقف التمويل الاميركي، وفي كلا الحالتين خسارة كبيرة لها وللتحالف الغربي، لا نعتقد أن الأخير سيسمح
بها على المدى القريب.

* سفير في وزارة الخارجية العراقية