علي رياح
بعد أن خاض منتخبنا لقاءً ودياً مع نظيره القطري انتهى بالتعادل السلبي خلال معسكر قصير في الدوحة، كان علينا التوجّه إلى بانكوك حيث المحطة المقبلة لمنتخبنا في تصفيات كأس العالم 2002. كنت بصفتي موفداً صحفياً أحاول على مَتن الطائر الميمون الاستعلام أكثر عن شخصيَّة الكرواتي رودولف بيلين الذي عُيّن أخيراً مدرباً للمنتخب بعد خسارتين متتاليتين مع المدرب عدنان حمد أمام البحرين والسعودية في المنامة وذلك في ظرف ثمانية أيام فقط. كان الرجل هادئاً يُحسن (لغة) الصمت إلى الحدّ الذي قد لا تجد فيه أثراً له!
حين جاء بيلين ليستكمل الجولة الثانية من التصفيات، لم يسبقه سجل تدريبي مهم حتى في بلاده، فهو معروف هناك في الأوساط العلمية الأكاديمية بوصفه أستاذاً جامعياً متخصصاً يُحاضر في علوم كرة القدم وله فضل لا يُنكر في إنشاء مدراس كروية مهمة على مستوى أوروبا.. وقد دفعت به المقادير لأن يقود منتخبنا في أصعب المراحل، فقد كان عمله مُحاطاً ومحكوماً بظرف تدريبي لم يكن يعلم عنه شيئاً وكان يأمل أن يستكمل ما بدأه بعد أن تنتهي التصفيات مهما كانت خاتمتها السلبية التي تلوح في الأفق!
تعرّض المنتخب وبيلين في مستهلّ مهمته إلى هزة عنيفة في بغداد لدى الخسارة أمام إيران ثم تعادلنا مع تايلاند على أرضها بهدف لهدف وأهدر عماد محمد فرصة للفوز من ركلة جزاء، ثم كان الفوز على البحرين في بغداد بهدف لعماد محمد نفسه، فتنفسنا الصعداء قبل أن نعود إلى جادة الانتكاسة بخسارتين أمام السعودية في الأردن وأمام إيران في طهران فكان الوداع المرير!
بجانب الهدوء الآسر الذي كان عليه، تميّز بيلين بدرجة عالية من الودّ في التعامل لم نألفها من قبل في أي مدرب أجنبي سبقه، وأتذكر أنه حين دخل ملعب الشعب الدولي ليقود أول وحدة تدريبية مع مساعده ثائر جسام، فوجئ بالاستقبال الحافل وأمضى وقتاً ليس قصيراً في ردّ التحية للجمهور الحاشد عبر موجة من الانحناءات، لكنَّ الواضح تماماً أنه لم يكن ليضيف قدراً من الإيجابية على أداء المنتخب.. قال لي بصريح العبارة إنه كان يتمنى أن يكون لديه متسع من الوقت للعمل والمشاهدة فهو ليس مسؤولاً عن اختيار اللاعبين!
وفي لحظة صفاء، وربما انطواء، سرقها الرجل وسط ضجيج العمل ومتطلباته كنت أسأل بيلين عمّا كان يتوقعه وما وجده في المنتخب. قال بالنص: “حين عُرض عليَّ العمل مع المنتخب العراقي كنتُ متحمساً للغاية وذلك عائد لسببين، الأول أنها تجربة جديدة مع منتخب آسيوي أو عربي، والثاني محاولة اختبار النفس في ما يمكن أن أقدمه لتطوير المنتخب، وأنا في حاجة إلى المزيد من الوقت وأرجو أن يطول صبر اتحاد الكرة العراقي على هذا الصعيد”!
كان على بيلين أن يترك المنتخب بعد ست مباريات دولية خلال أسابيع قليلة من العمل.. كان السؤال الذي يلحّ عليّ كلما قابلته: هل تجد ملامح الأستاذ الجامعي وهي تتسلل إلى عملك كمدرب في الميدان؟ وكان الرد: وما المانع؟ أنا أيضاً أدرّس اللاعبين فنوناً وحركات وتطبيقات فردية وجماعية.. الاختلاف الوحيد أنهم هنا ليسوا في حاجة إلى ورقة وقلم!!