الأوكرانيون يعانون نقصاً في قذائف المدفعية

قضايا عربية ودولية 2024/01/02
...

• سايوبان أوغريدي وديفد ستيرن وكوستيانتين خودوف
• ترجمة: أنيس الصفار                                            

يقول جنود أوكرانيون إن قواتهم باتت تعاني من شح في قذائف المدفعية على خطوط المواجهة الأمامية، الأمر الذي جعل بعض الوحدات تلغي هجمات كان مخططاً لها وأذكى المخاوف بشأن كم ستقوى قوات كييف على الصمود في مواقعها بوجه الهجمات الروسية المستمرة.
نقص الذخائر هذا تسبب منذ الآن بتعميق الشعور القائم بالقلق في العاصمة الأوكرانية جراء توقف المساعدات الأميركية والأوروبية وحلول فصل الشتاء.
في مقابلة اجريت معه في الأسبوع الماضي قال أحد أفراد لواء الهجوم الجبلي 128 الذي يخوض القتال في منطقة زابورجيا إلى الجنوب الشرقي: "لقد حُدد لمدفعيتنا مقدار معين من القذائف لكل هدف، فإذا كان صغيراً، كموقع للهاون مثلاً، فإنهم يعطوننا خمس أو سبع قذائف في المجموع."
يضيف الجندي: "لقد تعب الرجال، بل انهم منهكون تماماً .. لكنهم لا يزالون على أهبة وكثير منهم يدركون انهم لا خيار آخر أمامهم. لكنك لن تستطيع كسب حرب بالركون الى التأهب وحده، يجب ان يكون لديك شكل من أشكال التفوق العددي، لكن مع وجود الأسلحة وأنظمة التسلح تبقى الأمور تسير من سيئ الى أسوأ. كم سنتمكن من الصمود؟ يصعب تقدير ذلك، ولكن لن يكون لفترة طويلة، والجميع يدركون هذا."
يقول "آرتيم"، 31 عاماً، وهو جندي في لواء المدفعية 148 مكلف بإدارة مدفع هاوتزر عيار 155 ملم: إن وحدته لمست فرقاً هائلاً في مخزونات القنابل عقب انتقالها مؤخراً من الجبهة الجنوبية في زابورجيا الى مواقع في الشرق.
يقول آرتيم: إنَّ وحدته تطلق الآن ما بين 10 و20 قذيفة في اليوم على أهداف العدو، في حين اعتادت قبل ذلك ان تطلق 50 قذيفة كمعدل، وقد يصل العدد أحياناً الى90 قذيفة. يضيف آرتيم: "ما لم يتغير الوضع لن نتمكن من اخماد نيرانهم وسوف يجبروننا على التراجع. ماذا تستطيع ان تفعل بعشر قنابل في اليوم؟ إنها لا تكاد تكفي حتى للرد على زحفهم، ناهيك عن مهاجمة مواقعهم."
عدم كفاية الإمدادات من القذائف كان مشكلة دائمة بالنسبة للأوكرانيين منذ بداية الغزو الروسي في شباط 2022. وفي نهاية الأسبوع الماضي أكد الرئيس الأوكراني "فلوديمير زيلنسكي" في مؤتمره الصحفي بمناسبة نهاية العام وجود شح حالياً، ولكنه عاد يؤكد أن الجيش لا يزال قوياً متماسكاً.
في وقت سابق من هذا الشهر زار زيلنسكي واشنطن وناشد المشرعين باطلاق مبلغ يقارب 60 مليار دولار بصيغة مساعدات لأوكرانيا كان الرئيس بايدن قد اقترحها. لكن الصفقة لم يتم اقرارها لأن الجمهوريين رهنوا المساعدات باجراءات الأمن الحدودي المثيرة للجدل. بعد ذلك بأيام حجب رئيس الوزراء الهنغاري "فكتور أوربان" مبلغ 55 مليار دولار بصيغة مساعدات من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا.
هذه التأخيرات، التي جاءت في اعقاب تعثر الهجوم المضاد الأوكراني خلال الصيف والخريف الماضيين، اوجدت مزيداً من العقبات غير المرحب بها قبل حلول موسم العطلة الشتوية.
اما روسيا فإنها تواصل محاولاتها للضغط على الجبهتين الجنوبية والشرقية، كما تحاول دك المدن الأوكرانية بالطائرات المسيرة والهجمات الصاروخية.. التي تم افشال الكثير منها بفضل أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية المحسنة. لكن هذه الأنظمة تعتمد هي الأخرى على تواصل الدعم الخارجي.
يقول الجنود الأوكرانيون المتمركزون على خطوط الجبهة الأمامية انهم لم يلحظوا أي دلائل على أن الروس يواجهون مشكلة نقص مماثلة في قذائف المدفعية.
فمع أنَّ موسكو قد ارغمت على إبطاء وتائر انتاج الذخائر بدرجة ملحوظة خلال الأشهر القليلة الأولى عقب الغزو، عادت فنجحت منذ ذلك الحين في تفادي العقوبات الغربية القاسية وضوابط التصدير وأعادت تنشيط إنتاجها العسكري. جانب من السبب في تمكنها من ذلك يتمثل باستغلالها الثغرات التي تتخلل سلاسل التوريد، كما تمكنت شبكات التهريب غير المشروعة من توفير مكونات الأسلحة الرئيسية لها، بما فيها مكونات مصدرها الولايات المتحدة عن طريق إعادة توجيه مسارها عبر دول أخرى مثل تركيا وأرمينيا.
كذلك وفرت الصفقة التي عقدت بين موسكو وبيونغ يانغ في شهر أيلول الماضي مساعدات حساسة لروسيا، حيث وافقت كوريا الشمالية على تزويدها بالصواريخ والقذائف التي تشتد الحاجة اليها. وقد صرحت "جوليان سمث"، سفيرة الولايات المتحدة لدى حلف الناتو، في الأسبوع الماضي بأن كوريا الشمالية سلمت مؤخراً على ما يبدو 1000 حاوية من المعدات العسكرية والذخائر الى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا. في حين قال العميد الأوكراني "أولكساندر تارنافسكي" متحدثاً إلى وكالة رويترز: إنَّ قواته تواجه نقصاً في الذخائر وإن بعض الخطط قد أجريت عليها تعديلات بسبب هذا النقص. أما الفريق "إيفان هافريليوك"، وهو أحد نواب وزير الدفاع الأوكراني، فقد رفض الحديث عن مسألة نقص الذخيرة وقال: إنه ليس مخولاً بالخوض في هذاالموضوع، كما امتنع المتحدث باسم وزارة الدفاع عن الاستجابة لطلب صحيفتنا بتعليق من جانبه.
الولايات المتحدة هي اهم حليف لأوكرانيا، وفي الاسبوع الماضي اخبر زيلنسكي المراسلين أنه على يقين من أن الولايات المتحدة لن تخذل بلده، على حد تعبيره.
بيد أنَّ فشل بايدن في تأمين التمويل الذي تمسّ الحاجة إليه لأوكرانيا قبل نهاية العام يكشف أن البيت الأبيض ببساطة لا يمكنه ضمان استمرار الدعم.
فبايدن، الذي كان يؤكد في الماضي أن الولايات المتحدة سوف تقف الى جانب أوكرانيا "بقدر ما يتطلبه الأمر" عاد في وقت سابق من هذا الشهر ليقول بدلاً من ذلك: إنها سوف تدعم كييف "بقدر ما تتمكن"، على حد تعبيره.
تحذر إدارة بايدن من أن منع إقرار مشروع قانون الانفاق التكميلي لن يبقي من المال ما يكفي لإعادة انعاش مخزونات الولايات التحدة وايصال حزمة مساعدات واحدة متبقية. وفي خطاب ارسله الى الكونغرس في 15 كانون الأول قال "مايكل مكورد" المراقب المالي لدى البنتاغون: "بمجرد الالتزام بهذه الأموال ستكون وزارة الدفاع قد استنفدت التمويل المتاح لها لتقديم المساعدات الأمنية لأوكرانيا."
حث الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" الحلفاء على العمل معاً لرفع الإنتاج من أجل أوكرانيا. أما أوكرانيا، في ادراك منها لحقيقة أنها لن تستطيع البقاء معتمدة على المساعدات الخارجية الى الابد، فقد حاولت رفع امكانياتها لإنتاج الأسلحة محلياً. وفي الأسبوع الماضي أعلن وزيرها للصناعات الستراتيجية أن أوكرانيا تخطط في العام المقبل لصناعة مليون طائرة مسيرة من النوع المسيطر عليه لاسلكياً وبالامكان قيادته من غرفة التحكم، الى جانب آلاف الأسلحة الأخرى متوسطة وبعيدة المدى.
خلال هذا العام اصبحت الطائرات المسيرة المسيطر عليها لاسلكياً سلاحاً أساسياً في أساليب الهجوم الأوكرانية. لكن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أوضح في مؤتمره الصحفي لنهاية العام، الذي عقده هذا الشهر، انه يتابع كيف ابتدأت المساعدات الغربية لأوكرانيا بالتباطؤ.
قال بوتين: "أوكرانيا اليوم لا تكاد تنتج شيئاً، وكل ما عندها يأتيها من الخارج .. وبالمجان. لكن الهدايا المجانية قد تنتهي في لحظة ما، ويبدو انها تقترب من النهاية شيئاً فشيئاً."
لكن بعض الدول تعهدت مؤخراً بتقديم دعم عسكري جديد وملموس لأوكرانيا. فقبل أيام أعلنت هولندا انها سوف تحوّل 18 طائرة مقاتلة من طراز "أف 16" الى أوكرانيا، لكنها لم تحدد موعداً لتسليمها. في الوقت نفسه وافقت اليابان على ارسال صواريخ باتريوت الى الولايات المتحدة في تحرك ربما يتيح لواشنطن ارسال مزيد من الأسلحة الى أوكرانيا. فكييف تعتمد بشدة على أنظمة باتريوت من تصاميم أميركية لحماية بناها التحتية الحساسة في المدن الكبرى.
لكن القوات الأوكرانية تقول إنها تحتاج الى المزيد من كل شيء.. وبأسرع وقت. ويقول أحد أفراد لواء الهجوم الجبلي 128: "نحن نعاني عجزاً في كل شيء."
يقول "إيفان زادونتسيف"، المسؤول الصحفي في فوج الهجوم الرابع والعشرين المستقل، المعروف ايضاً باسم "إيدار": إنَّ قوته قد خفضت قدراتها النارية بنسبة 90 بالمئة مقارنة بما كانت عليه في الصيف الماضي. يحتاج الفوج المذكور الى ذخائر من عيار 122 ملم لمدافع هاوتزر التي يستخدمها وهي من الحقبة السوفييتية، وقد حاول الشركاء الغربيون الحصول على هذه الذخائر لأوكرانيا طيلة فترة الحرب.
بحدود منتصف الخريف تغيرت تكتيكات "إيدار" مع تضاؤل شحنات الذخائر، ورغم أن الفوج سبق له ان تجاوز مشكلة العجز في قنابل المدفعية ثمة قلق الآن من ان احتياطياته تلك لن يعود بالامكان انعاشها.
يحاول لواء "إيدار"، شأنه شأن لواء المدفعية 148، التشبث بخطوطه الدفاعية في الشرق قرب بلدة "كليشجيفكا" التي حررتها القوات الأوكرانية من الاحتلال الروسي في شهر أيلول. ولكن زادونتسيف يقول: إن التخطيط لأي هجمات جديدة سيكون حماقة طالما بقي التفوق بالمدفعية في جانب الجيش الروسي، على حد تعبيره.
يمضي زادونتسيف مضيفاً أنَّ المخاوف المتعلقة بسياسة الحدود الأميركية التي تحول دون وصول المساعدات الى أوكرانيا تتضاءل وتبهت أمام ما يشعر به الأوكرانيون على جبهات القتال من حاجة عاجلة ملحّة هي الفاصل بين الموت والحياة. ويقول: إن من الصعب عليه تصور ان يكون باستطاعة اي شخص من الخارج تفهم الوضع على الاطلاق .. ومدى حراجة الظروف الآن.
بعد ذلك يختتم قائلاً: "آمل ان تتفهم حكومة الولايات المتحدة ان الحفاظ على أمان أوكرانيا بالذخائر سيكون أوطأ كلفة بكثير من إعادة تسليح بولندا ودول البلطيق إذا ما سقطت أوكرانيا."

• عن صحيفة "واشنطن بوست"