الثقافة الجماليَّة

ثقافة 2024/01/03
...

 كاظم لفتة جبر 

يهدف مفهوم الثقافة إلى مجموع ما يمتلكه الفرد والمجتمع من حضارة، ودين، وعادات وتقاليد. وكل مجتمع تتأطر نظرته الجمالية وفق ثقافته المرسومة للعيش.فمن خلال ذلك هل يخضع مقياس الثقافة إلى حاجات المعيشة، أو إلى سلطة المعرفة؟ حقيقة الأمر تظهر الثقافة في الترابط بين طريقة عيش الإنسان وبناء معرفته، فالإنسان القديم كون منظومته المعرفية، وفقاً لمتطلبات الحاجة اليومية والضرورية، ومن ثم بنى منظومته الجمالية على وفق الحاجات الكمالية.  وعلى ذلك تكون المعرفة نتاج الحاجة، لكن هل انتفاء الحاجة يوقفنا عن التفكير والإبداع؟  

معروف عن الإنسان كائن مُفكر، يجرد الأشياء عن مادتها في صور، ومن ثمة يتعقلها لينتج الأشياء على وفق حاجة ضرورية، أو رغبات كمالية، فالفكر لا يتوقف على الحاجة عند الإنسان، لأنه كائن مُفكر، يبحث عن  شيء في كل شيء.

فهناك شيء يخضع تعاملنا معهُ وفق طلب الحاجة، وشيء آخر يخضع وفق مزاجيات الرغبة، فما كان للحاجة كان مادياً على الأغلب، وما كان للرغبة كان نفسياً.

لكن هناك أشياء تكون من متطلبات الإنسان ويخضع طلبها للمرض الثقافي، والسبب يعود للقيود المفروضة من قبل السلطة، أو الدين أو المجتمع التي تقيد رغبات الأفراد وتحددها، ويعالجها المجتمع من خلال الفن والأدب، لأنه لا وعي ولا شعور الكلمة مباح في مثل تلك المجتمعات، أما لا وعي الفعل فهو مرفوض ومستهجن. 

فهذه المجتمعات تهتم بالقول من دون الفعل، وهذا ما وصف به عبدالله القصيمي مجتمعات العرب بأنهم ظاهرة صوتية.

فالموقع الجغرافي هو الذي يحدد الثقافة المكانية للشعوب، والمجتمعات، أما أحداث التاريخ هي من تحدد الثقافة الزمانية. 

فكل ثقافة يخضع تحديد مفهومها عند الفرد والمجتمع إلى مجموعة عوامل منها الدين، والعادات التقاليد الاجتماعيَّة،  أو العوامل الطبيعية والمناخية، أو السلطة السياسية والمستوى الاقتصادي. 

فكل أمة تتميز بثقافتها الخاصة، وكذلك كل جغرافية تتميز بثقافة خاصة بها، لذلك تجد هناك ثقافة عامة للأمم، وثقافة خاصة للمدن، فالأولى أصيلة جاءت من حضارة كل أمة، أما الثانية قد تكون مكتسبة من أمم أخرى نتيجة الغزوات والاستعمار والتداخل الثقافي والتجاري والصناعي.

لذلك يمكن فهم الثقافة الجمالية وفق هذا الترابط لأدوات الثقافة والفنون عند المجتمعات. 

فالإنسان في أول الأمر بحث عن الجمال من خلال الحاجة، لذلك نرى سقراط يقول الجميل كل ما يؤدي غايته. 

واكسنوفان يقول بأن الجمال كل ما هو نافع.

ثم ترقت الحضارة فنجد أفلاطون يقول الجمال كل ما هو مثالي وكامل. 

ثم بحث ارسطو عن هذا المثالي من خلال الواقع فوجده في الانسجام والتناسق والتألف في الأشياء. 

ثم نمت تلك النظرة الجمالية في العصور الوسطى مع الدين سواء في الغرب، أو الشرق، أي بمعنى انتقل المعنى الجمال من أن يوفر الحاجات الإنسانية في العصور القديمة إلى تحقيق حاجات الدين في العصر الوسيط.

أما في العصر الحديث فتجد انفتاحا وتخلص الجمال من الحاجة وبدأ يوفر رغبات الإنسان ومتطلباته الكمالية، فتجد مع بدء الثورة الصناعية وتقدم العلوم والأمم، والاهتمام بالفن والجمال وخاصة في القرن الثامن عشر، فوجد بومغارتن ضرورة أن يتحول الجمال من الفلسفة إلى العلم لوجود مجال خاص لقياس شدة الجمال من عدمه، كما أن انتقاله من طلب الحاجة إلى طلب الرغبة اتاح لنا دراسة هذه الرغبة التي تنشأ داخل الفرد والمجتمع من خلال علم النفس وعلم الاجتماع.

وعلى هذا الأساس أنشأ علم الجمال وأصبحت الثقافة الجمالية مهمة في المجتمعات، لكونها تعد الأساس الذي يبني به الفرد والمجتمع داخلياً وخارجياً، فمن خلال الثقافة الجمالية يقاس تقدم وتطور وقوة الأمم حاضراً، فالمجتمع الذي يملك ثقافة جمالية تنعكس بدورها على جميع نشاطاته وطريقة عيشه ورفاهية مجتمعة وقوة دولته سياحياً وسياسياً واقتصادياً، كما أن تنشئة الأفراد على هذه الثقافة الجمالية تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها الأكاديمية فروح الأمم في ثقافتها والمحافظة على قيمها الحضارية.