العالم والحرب الرمادية

قضايا عربية ودولية 2024/01/03
...

علي حسن الفواز


انتهى العام الماضي، وبدأ عام جديد، مكشوفاً على أحلام وتكهُّنات جديدة، فما حفل به عام 2023 كان دامياً وفاجعاً، بصراعاته وحروبه المفتوحة من أوكرانيا إلى السودان وانتهاء بغزة المفجوعة بالعدوان الصهيوني، وهذا ما يجعل الحديث عن آفاق العام الجديد مرهوناً بالأمنيات وليس بالوقائع، لأنّ صناعات الأعداء والحروب والفجائع مازالت قائمة، وأن النظر الاجتماعي لها سيظل قريناً بالنظر السياسي، بوصف نظراً محكوماً بخليط غرائبي يجمع الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، حتى بات الحديث عن ثقافة السلام، وعن «العقل التواصلي» وعن «الحق العالمي» محض شعارات وعناوين براقة، قد تخضع فاعلياتها إلى كثير من التجريب، وربما إلى اجتهادات الذكاء الاصطناعي.. 

مراجعة الأحداث والظواهر تعني نقدها، وإعادة النظر بعديد هذه المواقف والإجراءات والسياسات ووجهات النظر، يعني نقد مسؤوليات «الدول الكبرى» التي جعلت من مفاهيم العدالة والسيادة والحرية والديمقراطية والحق خارجة عن الاستعمال والتداول، إذ فرضت هذه «الدول» واقعاً مضغوطاً، مركزياً، لا شأن له سوى الإصرار على زيادة منسوب العسكرة، وفرض إرادة القوة الغاشمة على الآخرين، وعلى نحوٍ أفقد الناس الثقة بقيم «الحداثة» وأطروحات «الليبرالية» التي تعني الحق الإنساني في الحرية.  

الدخول إلى العام الجديد لا يحمل معه توقعات مثالية، فمظاهر الفقر والتضخم وأزمة المناخ والتدهور البيئي تحديات تحتاج إلى معالجات بنيوية عميقة، فهي وجوه أخرى للحروب البشعة التي تُهدد ملايين الناس بالكوارث والأمراض والتلوثات، وبما يجعلها تشترك مع «حروب الدم» في تشكيل ملامح لصورة «أزمة العصر» وأزمة الإنسان الذي أفقدته «حضارة الغرب» القدرة على تمثيل وجوده وهويته وحقه في الحياة.

كما أن استمرار تغذية تلك الحروب بالدعم، وبالسياسة الإجرائية سيكون عنصراً قهرياً لإعادة العالم إلى العنف العنصري، وإلى ديكتاتوريات الرعب، وإلى زيادة ترسانات التسلّح التي تُهدد بمزيد من الحروب، وبما يُعطي لمفهوم «الردع» حسب وجهة النظر الغربية جانباً سلبياً، تتضخم معه سياسات المركزة التي دأبت الولايات المتحدة على تكريسها كممارسة للسيطرة على الجغرافيا والتجارة والثروات، ومن منطلق فرضيات «القوة العسكرية» و»القوة الاقتصادية» وكأننا نجد أنفسنا أمام عتبات لما يمكن تسميته بـ»الحرب الرمادية» تلك الحرب الغامضة والسرية، التي جعلت من تكنولوجيا المعلومات، ومن منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وساط لفرض هيمنة «الكائن العولمي» الذي يعمل على سحب الزمن التاريخي إلى خانة الزمن الأيديولوجي، وبما يجعل العالم مكشوفاً على مراثي الحروب الملعونة.