أزمات يُرجَّح أن تتفاقم في العام 2024

قضايا عربية ودولية 2024/01/03
...

  إيشان ثرور 

ترجمة: أنيس الصفار


قد يتفق معي قرّاء موقع "توداي وورلد فيو" (المشهد العالمي اليوم) على أنَّ العام الحالي كان عاماً كالحاً. ففي أوكرانيا ترنّح الهجوم المضاد الكبير ضدَّ الغزو الروسي حتى انكفأ إلى حالة الجمود المخيّب حيث لا غالب ولا مغلوب. وفي الشرق الأوسط تفجّر الصراع المستمر منذ عقود على صورة حرب بالغة العنف لم يشهد لها قطاع غزة مثيلاً. معظم سكان القطاع أقسروا على مغادرة منازلهم ولقي أكثر من 20 ألف فلسطيني مصارعهم خلال أسابيع، وربع سكان غزة اليوم "يتضورون جوعاً" وفقاً لتقارير الأمم المتحدة التي حذرت في الأسبوع الماضي من أنَّ خطر المجاعة في المنطقة "يتصاعد يوماً بعد يوم"، على حد تعبيرها.

يقول عارف حسين كبير الخبراء الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في حديث مع الصحفيين: "لا يمكن أن يكون ثمة ما هو أسوأ، فأنا لم أشهد من قبل أبداً شيئاً يداني ما يحدث في غزة من حيث السعة أو التلاحق."

لئن تكن هاتان الحربان قد استحوذتا على اهتمام وسائل الإعلام الكبرى في العالم للشطر الأعظم من العام 2023 فقد كانت هناك أزمات أخرى يتصاعد منها الدخان أيضاً. ففي السودان وماينمار تدور رحى حربين أهليتين مدمرتين كان من أبرز سماتهما وقوع فظائع لا حصر لها وتقارير تتحدث عن جرائم حرب.. بلدان ينهاران منذ الآن إلى درك الدول الفاشلة مستثيرين أزمات إنسانية تتفاقم وتتصاعد. وعلى امتداد رقعة واسعة من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أعملت الانقلابات والتنازعات على السلطة اضطراباً وخلخلة، وأدى فقدان الاستقرار الاجتماعي والضغوط الاقتصادية في مرحلة ما بعد الجائحة إلى إذكاء موجات الهجرة في جميع أنحاء العالم.

ربّما سيُذكر العام 2023 أيضاً بأنه كان الأشد سخونة في التاريخ إذ اكتسحت موجات الحرارة المحرقة القارات جميعاً، وصاحبت ذلك وقائع مناخية متطرفة أخرى. كانت هناك حالات جفاف وفيضان هي الأشد حدة، لكن اللحظة المزلزلة جاءت في أيلول عندما تسببت الأمطار الغزيرة بانهيار السدود وحدوث فيضانات عارمة أودت بحياة أكثر من 11 ألف شخص في الجزء الشمالي الشرقي من ليبيا. قال مسؤول في وزارة الصحة الليبية حينها إنَّ الكارثة ذات أبعاد أسطورية.

بوجه فاجعة كهذه يأمل المرء أن يأتيه العام الجديد بأنباء أفضل، لكن من المؤسف أنَّ كثيراً من الأمور قد تمضي على الطريق الخطأ، والعديد من الأزمات يمكن أن تؤول إلى الأسوأ خلال العام 2024.

الحرب في غزة بلغت نقطة انقلاب خطيرة. ففي حين يتعهد المسؤولون الإسرائيليون بحملة طويلة الأمد. يدفع القتال الحالي سكان غزة البالغ تعدادهم 2,2 مليون شخص إلى حافة الهاوية. هذه البقعة أمست أشد مناطق العالم موتاً ودموية بالنسبة للمدنيين. قبل السابع من تشرين الأول، وهو اليوم الذي شنت فيه حركة حماس ضربتها على جنوب إسرائيل، كان 80 % من أهالي غزة بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. أمّا الآن فإنهم جميعاً يحتاجونها بلا استثناء في حين لا يكاد يدخل إلى المنطقة المحاصرة سوى النزر اليسير من حاجتها. تتعالى المناشدات من منظمات الإغاثة وعدد لا يحصى من زعماء العالم لوقف إطلاق النار والتعجيل بدخول مواد الإغاثة إلى غزة، ولكن من شأن هذه الحرب في ظل استمرار الأعمال العدائية أن تهز المنطقة كلها حين تتسبب بانجرار الفصائل المعادية لإسرائيل المتمركزة في لبنان وسوريا إلى المعترك وتبعث موجة نزوح طاغية من اللاجئين الفلسطينيين إلى مصر لا سابق لها.

في قائمتها السنوية لرصد الطوارئ التي أصدرتها هذا الشهر صنفت "لجنة الإنقاذ الدولية" الصراع في إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة بأنه ثاني أكبر الأزمات فداحة التي ينبغي متابعتها ورصدها خلال العام 2024. أما الأزمة الأولى فهي الحرب الأهلية في السودان التي لا تحظى إلا بالقدر الأيسر من التداول والنقاش، حيث أسفرت ثمانية أشهر من القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية عن إدخال أكثر من نصف البلد تحت ظل الحاجة إلى المساعدات الإنسانية وأجبرت ما يقارب 6 ملايين إنسان على الفرار من منازلهم. هنالك في السودان نحو 19 مليون طفل يعيشون بلا تعليم بعد أن أدى الصراع إلى إغلاق آلاف المدارس.

يقول الشافعي محمد أحمد من "لجنة الإنقاذ الدولية" في تقريره: "لقد أصبح السودان يمثل أكبر أزمة نازحين في العالم، والقدرة على إيصال المساعدات تتعرّض للعرقلة بسبب قلة المعونات الإنسانية والتمويل. الاستقطاب العرقي والقبلي والمناطقي في هذه الحرب الجارية يهدد حتى القليل المحدود المتاح حالياً."

أفريقيا هي موطن القدر الأكبر من النقاط الساخنة المحتملة التي ورد ذكرها في قائمة "لجنة الإنقاذ الدولية". ثلاث من دول حزام الانقلابات في غرب أفريقيا (وهي دول بوركينا فاسو ومالي والنايجر التي تتولى القيادة فيها مجالس عسكرية) كلها مدرجة ضمن التصنيف. الجيش البوركيني يتخبط بمواجهة تعاظم التشدد الإسلامي، حيث تسيطر الفصائل الخارجة عن الدولة على أكثر من نصف البلاد. وفي مالي والنيجر، حيث تتحكم بالأمور ديناميكيات مشابهة حيث يدفع فقدان الأمن الغذائي المتزايد ونضوب المساعدات الخارجية ملايين الناس نحو مخاطر أعظم. 

تشكل الدول العشر في قائمة رصد "لجنة الإنقاذ الدولية" نسبة 86 % من إجمالي الشعوب الواقعة تحت طائلة الحاجة إلى المساعدات الإنسانية عالمياً. خلف عدم الاستقرار السياسي الذي يستنزف هذه المجتمعات يكمن شبح ارتفاع درجات حرارة الكوكب، حيث تؤثر موجات الجفاف وغيرها من التأثيرات المناخية القاسية في بعض أكثر مجتمعات العالم ضعفاً وهشاشة. كتب "ديفد ميليباند" رئيس "لجنة الإنقاذ الدولية" يقول: "ما كان في الماضي دوائر أزمة منعزلة عن بعضها أصبح الآن دوائر متداخلة مع بعضها بمساحات تزداد اتساعاً. قبل ثلاثة عقود كانت 44 % من الصراعات تحدث في دول معرضة لتأثيرات المناخ، أما الآن فقد ارتفع الرقم إلى 67 %."

لقد نجحت إدارة بايدن نجاحاً ملحوظاً في الحفاظ على خط الدعم الغربي لتمكين أوكرانيا من التصدي للهجوم الروسي، بيد أنَّ مدى قدرتها على العمل سوف يكون مقيداً خلال سنة انتخابات مقبلة تفوح منها روائح الانقسام، بل أنَّ قدرة واشنطن على تمويل كييف أمست موضع شك، ناهيك عن قدرتها على الإحاطة بأزمات لا تعد في أماكن أخرى تترامى من الصومال إلى أفغانستان حتى هايتي الخاضعة لحكم العصابات وتترنح على حافة انهيار نظام الدولة.

في آسيا من المحتمل أن تتسم الانتخابات في تايوان باستفزازات جديدة من جانب الصين في وقت تنشغل إدارة بايدن فيه بمحاولة تحقيق شيء من الاستقرار في علاقاتها مع بكين، بيد أنَّ الحريق الأكبر قد يندلع في ماينمار، حيث يترنح المجلس العسكري الحاكم تحت وطأة هجوم يشنه عليه تحالف من مليشيات المتمردين كما يشهد تصاعداً في عمليات الفرار من بين صفوفه.

غير أنَّ المسار الحالي لا يشي بقرب انهيار النظام على المدى القريب في ساحة المعركة بغياب أيِّ تطورات غير منظورة، كما يشير "مورغان مايكلز" الباحث في المعهد الدولي للدراسات الستراتيجية. يضيف مايكلز أنَّ ماينمار تتجه بدلاً من ذلك صوب مرحلة جديدة من الصراع تتسم بنظام نال منه الضعف ولكنه يبقى خطيراً، بعنف أشد حدة وقدراً أعظم من عدم اليقين.


• عن صحيفة "واشنطن بوست"