فنتازيا روايات السياسة والحروب والسحر
أحمد الشطري
تعرَّف الفنتازيا (Fantasy) بأنها تناول الواقع الحياتي من رؤيَّة غير مألوفة، وهي بشكل عام تعتمد الفضاءات الخياليَّة الخارقة للمألوف أو للطبيعة، وتعود أصول مصطلح الفنتازيا إلى اللغة الرومانيَّة وتعني "الخيال أو ملكة تكوين الصور" ثم انتقلت إلى الإيطاليَّة واللاتينيَّة الحديثة بذات المعنى.وبحسب تودوروف فإن "الأدب الفنتازي، أو الأدب العجائبي أو ما يسمى بالفانتاستيك هو التردد الذي يصيب المتلقي الذي لا يعرف غير القوانين الطبيعيَّة ويجد نفسه أمام وضع فوق طبيعي حسب الظاهر. فعندما نجد أنفسنا أمام ظاهرة غريبة يمكننا تفسيرها إما من خلال المسببات الطبيعيَّة أو فوق الطبيعيَّة، لكن التردد بين هذه المسببات هو الذي يخلق هذا التأثير العجائبي".
وهذا التردد الذي نشعر به إزاء مثل هذه الأعمال هو أنها تقدمُ الخوارقَ على أنها أعمالٌ طبيعيَّة وذات حضورٍ واقعي، ومن ثَمَّ فإنَّ القدرة الإقناعيَّة التي يتمتعُ بها العمل السردي أو الفني هي التي تصنع عمليَّة التردد هذه بين طرفيه.
وفي إطار تعريف الفنتازيا يقول أرسطو: إنَّ "التخيل ]هو[ الحركة المتولدة عن الإحساس بالفعل. ولمّا كان البصر هو الحاسة الرئيسة فقد اشتق التخيل (phantasia) اسمه من النور "فاوس" phaos إذ بدون النور لا يمكن أنْ نرى".
ولكنْ ثمة أنواعٌ للخيال تختلفُ بحسب ارتباطها بالواقع أو بالمنطقي أو بطبيعة ذلك الخيال، فهناك خيالٌ علميٌّ يستندُ إلى معطيات علميَّة قابلة للحدوث سواء حاضراً أو مستقبلاً، وهناك خيالٌ طوباويٌّ يستندُ إلى رؤية إمكانيَّة تصحيح أخطاء الماضي لو عاد الزمن، بينما تتناول الفنتازيا موضوعات لا يمكن أنْ تحدثَ في الواقع، فهي تستمدُّ كينونتها من الخيال الواسع الذي يتجاوز كل ما هو واقعيٌ وممكن الحدوث.
يبدو أنَّ مفهوم الفنتازيا قد انتقل بفعل التطور الزمني؛ ليختصّ على صعيد الرواية بتلك الروايات التي تستند في حبكاتها على الأفعال الخارقة للطبيعة أو الأعمال السحريَّة، ولذلك نجد أنَّها ارتبطت كثيراً بالحكايات الشعبيَّة والتي غالباً ما تفتقر إلى اسم المؤلف؛ أو تلك التي تنحو منحى أسطورياً؛ ولذك عدت ملحمة كلكامش السومريَّة والأوديسة الإغريقيَّة والماهابهارتا والرمايانا الهنديَّة وألف ليلة وليلة العربيَّة والكوميديا الإلهيَّة للإيطالي دانتي النماذج القديمة الأكثر شهرة في هذا المجال.
ولعلَّ من أهم ما يميز روايات الفنتازيا هو ذلك التوظيف المتماسك للحدث المتخيل، والذي يعتمدُ على القدرات الخارقة، أو الأحداث المستمدة أو المحاكية للموروث الأسطوري؛ لتشكل هذه الثيمات البِنْية الأساسيَّة لتلك الروايات بالشكل الذي يكسبها قدراً كبيراً من الإقناع بانتمائها للواقع.
وربما عُدّ النيوزلندي جورج ماكدونالد صاحب روايات الأميرة والجني وفانتاسيس رائداً لروايات الفنتازيا الحديثة والتي ارتبطت بأدب الأطفال أو الفتيان، غير أنَّ روايته (فانتاسيس) تعدُّ أول رواية فنتازيا للكبار، ويبدو أنَّ روايات ماكدونالد ألقت بتأثيراتها على أدباء آخرين مثل الايرلندي سي أس لويس والانكليزي وليام موريس وخاصة في روايته (في الجزء الخلفي من رياح الشمال).
ويبدو أنَّ شعبيَّة الفنتازيا لم تبدأ بالانتشار بشكلٍ واسعٍ إلا في مطلع القرن التاسع عشر على يد لورد دانساني (Lord Dunsany) في الرواية والقصة، وهو ما حفز العديد من الكتاب لاتخاذ الفنتازيا منحى لرواياتهم وقصصهم أمثال الإنكليزي "رايدر هاجرد والذي تعدُّ روايته (كنوز الملك سليمان) من أهم أعماله، والكاتب الآخر هو البريطاني المولود في الهند روديارد كبلنغ (Rudyard Kipling) الذي كتب العديد من الروايات والقصص الفنتازيَّة ومن أهم أعماله (كتاب الأدغال)، والأميركي إدغار رايس بوروس مبتكر شخصيَّة طرزان، وقد قام هؤلاء الكتاب، ومعهم الأميركي إبراهام ميريت صاحب رواية (أميوليت)، بتأسيس ما يُعرف بنوع "العالم المفقود" الأدبي، الذي كان يُعدُّ النوع الأدبي الفرعي الأكثر شهرة للفنتازيا في أوائل القرن العشرين، على الرغم من أنَّ العديد من قصص الأطفال الخياليَّة القديمة كبيتر بان لجيمس ماثيو باري وساحر أوز العجيب لليمان فرانك قد ظهرت في هذا الوقت تقريباً".
لقد حققت روايات الفنتازيا رواجاً شعبياً كبيراً من خلال ارتباطها الوثيق بأدب الطفل أو الفتيان لما فيها من أجواءٍ سحريَّة مغرية وأحداثٍ مشوقة جعلت منها مطلباً ضرورياً لثقافة هذه الفئات، وقد أكسبها ارتباطها بالرسوم من خلال تحويلها إلى ما عُرِفَ بروايات الكوماكس جماهيريَّة واسعة على مستوى الكتاب، ومن جانبٍ آخر أسهمت التقنيات الحديثة كالسينما والتلفاز بسعة انتشارها عالمياً، والتي أو جدت لعوالمها الخارقة فضاءً مرئياً يتسمُ بالكثير من الإغراء والإدهاش.
ولعلَّ من أهم نماذج رواية الفنتازيا التي اكتسبت شهرة واسعة ورواجاً جماهيرياً كبيراً في الأدب الغربي هي: سلسلة "أغاني الجليد والنار" - جورج أر. ر. مارتن: تبدأ بكتاب "صراع العروش"، وهي سلسلة ملحميَّة تجمع بين السياسة والحروب والسحر. و"قصة الخادمة" لمارغريت أتوود، و"الساحر" لروبيرتو بولانيو و"مدينة اللصوص" لديفيد بينيوف، و"هاري بوتر" لـجي كي رولينج، و"أرض الميعاد" لتيري براتشيت، و"كتاب الغابة" لجودي ليندساي، و"الساحر" - إيفان غونتر و"سلسلة روايات موارد المشع" لبراندون ساندرسون: وتشمل "الهلام الغائب" و"الكائن الفارغ" و"اللهب المستعر". و"أرض الصدف" لأورسون سكوت كارد، و"لعبة العروش" لجورج، ر، ر، مارتن.
أما في الأدب العربي فهناك أيضاً الكثير من النماذج التي دخلت أو اقتربت بشكلٍ أو آخر من أجواء الفنتازيا كما في رواية "الفيل الأزرق" لأحمد مراد، و"أرض السافلين" و"أنتخريستوس" لأحمد خالد مصطفى، و"أماريتا أرض زيكزلا" لعمرو عبد الحميد، و"فارنكشتاين في بغداد" لأحمد السعداوي، و"طائر التلاشي" لمحمد رشيد الشمسي وغيرها.
وهذه النماذج التي ذكرناها هي لمحة صغيرة من غابة الأعمال الرائعة في عالم الفنتازيا، وقد تحولت العديد من هذه الروايات إلى مسلسلاتٍ وأفلامٍ سينمائيَّة مستفيدة مما تضيفه التقنيات الحديثة من جمالياتٍ وإبهارٍ على عوالمها المدهشة.
وقد تشعبت الفنتازيا في القرن العشرين إلى عدة أنواعٍ منها: (الفنتازيا الرومانسيَّة، والفنتازيا التاريخيَّة، والفنتازيا الكوميديَّة، والفنتازيا السوداء، والفنتازيا الأسطوريَّة، وفنتازيا الأرض الفانية، والفنتازيا المطورة.
ويمكن لنا أنْ نسجلَ ملاحظة على ندرة روايات الفنتازيا في مساحة السرد العراقي الذي انشغل كثيراً في هموم الواقع، مع أنَّ هذه الروايات قادرة على خلق عوالم مدهشة ومغرية، بالإضافة إلى قدرتها على استيعاب الثيمات الرمزيَّة القادرة على تمويه الطروحات الإيديولوجيَّة والفكريَّة التي يمكن أنْ تشكلَ خطراً على الكاتب وخاصة في ظل ظروف القمع وتضييق حريَّة التعبير عن الرأي.