وليد خالد الزيدي
تحتفظ الصلات الثقافيّة بين العراق وبلغاريا بشواهد وعناوين كثيرة جسدت مدى تأثير المد الحضاريّ والفكريّ في هذا البلد الأوروبي العريق، وما نقلته المستشرقة البلغارية مايا تسينوفا من نصوص لنتاجات أدباء ومفكرين عراقيين إلى بلدها على مدى عقود ماضية، من أشعار وأفكار ومعارف لمتون الكتب، فضلا عن مؤلفات قديمة وحديثة، يؤكد ذلك انطلاقا من بداية تدريس اللّغة العربيّة في بلغاريا آواخر الستينيات الماضية، فترجمت أعمالا لشعراء وأدباء عراقيين ومصريين ولبنانيين وفلسطينيين وغيرهم. وجاء على لسان تسينوفا التدريسية في اللغة العربيّة بجامعة صوفيا عبر حوار نشر مؤخرا، أن أساتذة اللغة العربيّة في بلغاريا جلهم خريجو جامعة بغداد، فضلا عن جامعتي دمشق وموسكو. وأعربت عن تأثرها بنتاجات أدباء عرب، منها ما نقلته إلى البلغارية، كمختارات من أعمال جبران خليل جبران، ومحمود درويش، وأدونيس وآخرين، معتبرة أن الترجمة «عملاً إبداعيا وليس مهنة، وأن الاستشراق في بلغاريا وليد الزمن الحديث أو المعاصر». استذكرت مايا تجربتها بالقول إن «أبرز اسباب تدريس العربية في بلغاريا يعود إلى أن بلدي لم يكن استعماريا أو طامعا في ثروات البلدان الأخرى، إنما شعبه وجد نفسه في ظروف تاريخية تمثلت باستقلال المستعمرات السابقة، فسعى إلى توسيع دائرة اهتمامه بعلاقات دوليّة مثمرة، منها في المجال الثقافيّ». أما الحكومة البلغارية، بحسب المستشرقة، فكانت دوما ما ترحب بكل تقارب مع الدول العربيّة، ومنها العراق الذي عملت فيه تسينوفا إعلامية إبان الاحتلال الأمريكي عام 2003، ونقلت صور مأساتها إلى الشعب البلغاري وشعوب العالم، كما وترجمت انطباعات المواطنين العراقيين البسطاء عنها، وقد حملت صورا مؤلمة بينما كنت دائما أذكر أن العراق بلد أعرق الحضارات، وأحد مراكز وكنوز الروائع الأدبيّة والفكريّة التي أثرت الثقافة الإنسانية بالكثير من النظريات المعرفية في مجالات شتى، ما زال العالم يحفظها له مستفيداً منها في المناهج العلمية لمعاهد وجامعات العلم والأدب إلى يومنا هذا.وقد اهتم القارئ البلغاري وأقبل على الأدب العربي من ترجمات تسينوفا التي اتسعت دائرة قراءها بتأسيس منتدى الثقافة العربيّة بالتعاون مع طلابها، واقامت سلسلة أمسيات لقراءة نصوص مترجمة وزاد جمهورها من الأصدقاء المتذوقين، ما جعلها تفتخر بتعرف المثقفين والأدباء البلغار لبعض أعلام الأدب العربيّ، فاتسمت علاقاتها مع جمهورها بالمسؤولية والاعتماد والثقة المتبادلة، وأكثر ما أثر فيها وفي مثقفي بلدها رسائل جبران خليل جبران و(نهج البلاغة) للإمام علي (ع) التي ترجم منها (100) نص، استقبلها القارئ هناك بذهول وانبهار لعمق الحكمة والإنسانيّة والعدالة في هذا الكتاب.يبدو أن جهود تسينوفا وترجمتها نصوص الأدب العراقي، ونقلها انطباعات الأوساط الثقافيّة والشعبيّة عن تجربة الاحتلال خلال عملها في بغداد، لقد كانت حاضرة في الدعوة للتقارب الثقافي بين العراق وبلغاريا منذ عام 2007، حينما أصرت البلدان على افتتاح مقر الملحقية الثقافيّة العراقيّة في العاصمة صوفيا، حيث عمدت حكومتها إلى مد يد العون للعراقيين ليواصلوا تطور بلدهم ورقيه وعودته من جديد إلى المحافل العلمية والثقافية، كما عهده العالم بلد الأدباء والمفكرين ومصنع الحضارة والكتابة والقلم والمعرفة.