وتقدّرون.. فتضحك الأقدار

الرياضة 2024/01/08
...

علي رياح

بعض إفرازات كرة القدم، وبينها نتائج المباريات، ينطبق عليه قول أبي العلاء المَعرّي (..وتقدّرون فتضحك الأقدار).
لم يكن لدى قطاع كبير من العراقيين قدرة على تخيّل أو تصوّر أن منتخبنا سيصل إلى منصة التتويج عن جدارة كاملة في نسخة 2007 من كأس آسيا.. ومع هذا كانت للكرة كلمة مختلفة كتبها اللاعبون والطاقم التدريبي والقائمون على المنتخب في الملاعب وليس على ورق الأمنيات، فقلبوا كل المعطيات إلى المستوى الذي ضحكت فيه الأقدار، ونال العراق لقباً أرجو ألا يكون أخيراً في عمر هذه البطولة.
لو كان اللاعبون قد توقفوا عند (التقديرات) التي سبقت البطولة، لكنا رأينا المنتخب وهو يهيئ ويحزم حقائب العودة عند التعادل مع تايلاند في المباراة الأولى، ولما كان في وسعه أن يحقق فوزه الثلاثي التأريخي بعد ستة أيام على أستراليا، ليفرض معطيات جديدة على تلك النسخة ككل.
ولو أن التقديرات قد توقفت عند الأطر التي حددها تعاقد اتحاد الكرة مع البرتغالي - البرازيلي جورفان فييرا في عَمّان قبل البطولة، لما كان لدى الجميع طموح الفوز في أية مباراة، حتى إن فييرا نفسه اعترف عقب الفوز بالبطولة في حديث مع القناة الرياضية المغربية بأنه قرأ العقد الذي يربطه بالمنتخب العراقي في الأردن، ولم يتوقف كثيراً عند الحقوق المالية، لكنه كان مُصرّاً على معرفة حجم الحوافز والمكافآت التي سينالها لو حصل العراق على البطولة، ويومها رَدّ عليه حسين سعيد رئيس اتحاد الكرة العراقي - طبقاً لما ذكره فييرا- وقال نحن لا نريد سوى اجتياز الدور الأول.. ثم قال فييرا بالنص: لقد كشفت لي الإجابة ذلك المدى الذي كان يفكر فيه السيد سعيد، وكذلك ما كنت أتطلع إليه وهو أكبر وأبعد بكثير.
كرة القدم كثيراً ما تعبث بالتقديرات والتكهنات والحسابات.. دعكَ مما يقوله المنتصرون حين تتغيّر لهجتهم من الخوف قبل المواجهة الصعبة إلى الثقة والفخار بعد الفوز فيها.. المدرب اليوغسلافي آبا الذي قاد منتخبنا الشبابي إلى واحد من أهم ألقاب شباب آسيا إثارةً وروعة عام 1977 اعترف في حديث لصحيفة (الرياضي) اليومية قبل السفر إلى طهران، بأنه يتوقع الوصول إلى الدور ربع النهائي مع حظ قليل للمباراة النهائية.
في حوادث وشهادات تاريخية كثيرة تحتفظ بها ذاكرتي، قرأت كلاماً مثل هذا، ثم رأيت الوقائع تذهب إلى حصاد يفوق تقديرات أهل الشأن، يدخل هذا في إطار التبويب الذي وضعه الشاعر الكبير المعرّي.
وفي ظل القدرة التي تتهيأ لبني البشر على الوصول إلى أدق الأسرار والتغلغل حتى العمق في كل شأن عام مثل كرة القدم بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المدربون أكثر تزمتاً في إطلاق الوعود، وأشدّ حرصاً على فتح نوافذ مُسيطَر عليها للوعود بدلاً من التعاطي بتفاصيل التفاصيل حين يتعلق الأمر بمصير منتخباتهم، ورأيي أن هذا توجه فيه حكمة وتبصر، وفيه استيعاب لمتغيرات الزمن والتكنولوجيا، وفيه حرص على تقنين الأحلام والطموحات لئلا يقع المحظور، وتحاشيا لغضبة لا يعلم إلا الله مداها، بانتظار أن تضحك الأقدار ولكن من دون تقديرات مُعلنة مسبقة.