* كاظم الحسن
تبدأ هذه السيرة، برثاء مؤلم ومؤثر بفقدان مي مظفر لزوجها الفنان التشكيلي رافع الناصري، وتصف ذلك: "ترك رحيل رافع عن أرضنا، فراغاً مهولاً، ما كان لأيِّ شيءٍ أو أحد قدرة على انتشالي من هوته السحيقة، سوى الحفاظ على وجوده حيَّاً معي.
حين انتهت مراسيم التشييع وغادر الأهل والأصدقاء، في ساعة متأخرة من الليلة الأولى أغلقت الباب لأختلي بواقعي الجديد، تحيط بي وحشة أشبه ببئر عميقة مظلمة، وسؤال عملاق يتحداني: كيف سأكمل الرحلة من غيره، وحمل مسؤولية الحفاظ على إرثه واسمه وعطائه الباذخ؟، "وفي رسالة إلى رافع كأنَّ زوجته تتوقع رحيله كتبت اليه: "من أجل أن أملأ الفراغ الذي تركه غيابك، ومن أجل أن أكون معك وبرفقتك سأشرع بتدوين مسيرة حياتنا، على مدى أربعين عاماً.
حدثتك ذات يوم، كنت قد استعدت فيه بعض عافيتك عن نيتي تأليف كتاب كهذا.
فانفرج وجهك السمح وقلت بصوت خافت: ياريت".
وعن بداية علاقة كاتبة السيرة برافع تقول: قبل أكثر من أربعين عاماً وفي إحدى زياراتي إلى دار صديقنا إبراهيم جبرا استوقفتني عند المدخل لوحة شفافة بالأبيض والأزرق لم يظهر اسم الرسّام عليها.
سحرتني بقدر ماحيرتني: هل هي موجة بحر فيروزي أم جسد امرأة في حالة عشق!، سألت الأستاذ جبرا لمن هذا العمل فردَّ باستغراب: رافع الناصري كيف لا تعرفينه؟".
وعن علاقتها بالأدباء والكتاب: "في العام 1962 جاء نزار قباني إلى بغداد في زيارة خاصة وعامة.
كان صديقا مقرّباً من السيدة أديبة خضر إحدى صديقات والدتي.
فطلبت من نزار أن يخصص ساعة من وقته للقائي في دارها.
اقترح عليَّ إرسال نصوصي له بالبريد.
فصرتُ أراسله بين حين وآخر وأتلقى ملاحظاته الدقيقة كان من أهمها تنبيهي إلى ضرورة احتواء الصورة على مدلول ذهني: لفت نظري أنّك لا تنتبهين إلى المدلول اللغوي وأنّك تطرحين الأفكار كيفما اتفق.
ونبّهني إلى نبرة الحزن السائدة في القصائد: إنّ الحزن في حياتنا شيء ضروري، ولكننا لا يجب أن نسمح له بأن يفترسنا... الإخفاق لا يعني الموت وإنما يعني للفنان الشفافية والعمق.
وأجمل ما قاله لي: إذا كنتِ تريدين دخول الأدب من بابه الواسع فلا بدَّ من تمزيق أشياء كثيرة قبل أن تعرضي نتاجك على الناس لأنّهم قساة وظالمون".